[شرف الجن على الإنس]
و من شرف الجن علينا «أن النبي ﷺ حين تلا على أصحابه سورة الرحمن و هم يسمعون فقال لهم لقد تلوتها على إخوانكم من الجن فكانوا أحسن استماعا لها منكم و ذكر الحديث و فيه فما قلت لهم» ﴿فَبِأَيِّ آلاٰءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ﴾ [الرحمن:13] إلا قالوا و لا بشيء من آلائك ربنا نكذب فانظر ما أعلمهم بحقائق ما خوطبوا كيف أجابوا بنفس ما خوطبوا به حتى بالاسم الرب و لم يقولوا يا إلهنا و لا غير ذلك و لم يقولوا و لا بشيء منها و إنما قالوا من آلائك كما قيل لهم لاحتمال أن يكون الضمير يعود على نعمة مخصوصة في تلك الآية و هم يريدون جميع الآلاء حتى يعم التصديق فيلحق الإنسان بهؤلاء كلهم من حيث طبيعته لا من حيث لطيفته بما هي مدبرة لهذا الجسم و متولدة عنه فيدخل عليها الخلل من نشأتها فجسده كله من حيث طبيعته طائع لله مشفق و ما من جارحة منه إذا أرسلها العبد جبرا في مخالفة أمر إلهي إلا و هي تناديه لا نفعل لا ترسلني فيما حرم عليك إرسالي إني شاهدة عليك لا تتبع شهوتك و تبرأ إلى اللّٰه من فعله بها و كل قوة و جارحة فيه بهذه المثابة و هم مجبورون تحت قهر النفس المدبرة لهم و تسخيرها فينجيهم اللّٰه تعالى دونه من عذاب يوم أليم إذا آخذه اللّٰه يوم القيامة و جعله في النار فأما المؤمنون الذين يخرجون إلى الجنة بعد هذا فيميتهم اللّٰه فيها إماتة كرامة للجوارح حيث كانت مجبورة فيما قادها إلى فعله فلا تحس بالألم و تعذب النفس وحدها في تلك الموتة كما يعذب النائم فيما يراه في نومه و جسده في سريره و فرشه على أحسن الحالات و أما أهل النار الذين قيل فيهم لا يموتون فيها و لا يحيون فإن جوارحهم أيضا بهذه المثابة أ لا تراها تشهد عليهم يوم القيامة فأنفسهم لا تموت في النار لتذوق العذاب و أجسامهم لا تحيا في النار حتى لا تذوق العذاب فعذابهم نفسي في صورة حسية من تبديل الجلود و ما وصف اللّٰه من عذابهم كل ذلك تقاسيه أنفسهم فإنه قد زالت الحياة من جوارحهم فهم ينضجون كما ينضج اللحم في القدر أ تراه يحس بذلك بل له نعيم به إذا كان ثم حياة يجعل اللّٰه في ذلك نعيما و إلا ما تحمله النفوس كشخص يرى بعينه نهب ماله و خراب ملكه و إهانته فالملك مستريح بيد من صار إليه و الأمير يعذب بخرابه و إن كان بدنه سالما من العلل و الأمراض الحسية و لكن هو أشد الناس عذابا حتى أنه يتمنى الموت و لا يرى ما رآه و جميع ما ذكرناه إنما أخبرنا اللّٰه به لنتفكر و نتذكر و نرجع إليه سبحانه و نسأله أن يجعلنا في معاملته كمن هذه صفته فنلحق بهم و هو قد ضمن الإجابة لمن اضطر في سؤاله فيكون من الفائزين فأي شرف أعظم من شرف شخص قامت به صفة منحه اللّٰه إياها أسعده بها و جعل من خلقه على صورته يسأله تعالى أن يلحق بهم في تلك الصفة فقد علمت قدر كبره على خلق الناس ﴿وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:187] فكن يا أخي بما أعلمتك و نبهتك عليه من القليل الذي يعلم ذلك جعلنا اللّٰه منهم آمين بعزته
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية