[كل شيء في العالم يسبحون اللّٰه]
قال اللّٰه تعالى ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] فما من صورة في العالم و ما في العالم إلا صور إلا و هي مسبحة خالقها بحمد مخصوص ألهمها إياه و ما من صورة في العالم تفسد إلا و عين فسادها ظهور صورة أخرى في تلك الجواهر عينها مسبحة لله تعالى حتى لا يخلو الكون كله عن تسبيح خالقه فتسبحه أعيان أجزاء تلك الصورة بما يليق بتلك الصورة و الصور التي في العالم كلها نسب و أحوال لا موجودة و لا معدومة و إن كانت مشهودة من وجه ما فليست بمشهودة من وجه آخر و عين زمان فناء تلك الصور عين زمان وجود تلك الصور أي عين فسادها هو عين الأخرى لا أنه بعد الفساد تحدث الأخرى
[أن العالم كله ما عدا الإنس و الجان مستوفى الكشف لما غاب عن الإحساس البشري]
و اعلم إذا علمت هذا أن العالم كله ما عدا الإنس و الجان مستوفى الكشف لما غاب عن الإحساس البشري فلا يشاهد أحد من الجن و الإنس ذلك الغيب إلا في وقت خرق العوائد لكرامة يكرمه اللّٰه بها أو خاصية أمر ما من الأمور التي تعطي كشف الغيوب كما إن كل جماد و نبات و حيوان في العالم كله و في عالم الإنسان و الجن و أجسام الملائكة و الأفلاك و كل صورة يدبرها روح محسوسا كان ذلك التدبير فيمن ظهرت حياته أو غير محسوس فيمن بطنت حياته كأعضاء الإنسان و جلوده و ما أشبه ذلك كل هؤلاء في محل كشف الغيوب الإلهية المستورة عن الأرواح المدبرة لهذه الأجسام من ملك و إنس و جن لا غير فإنها محجوبة عن إدراك هذا الغيب الإلهي إلا بخرق عادة في بعضهم أو في كلهم و قد عرفت أن الحجر و الحيوان و النبات عرف من هذا الباب نبوة محمد صلى اللّٰه عليه و سلم و هو من الغيوب الإلهية فيجهل كل روح مثل هذا إلا أن يعرفه اللّٰه به إلا من ذكرناهم فإنهم يعرفونه بالفطرة التي فطرهم اللّٰه عليها إذا ظهر ناداهم الحق به في ذواتهم باسمه و إذا حضر بعينه أخبرني يوسف ابن يخلف الكومي من أكبر من لقيناه في هذا الطريق سنة ست و ثمانين و خمسمائة رحمه اللّٰه قال أخبرني موسى السرداني و كان من الأبدال المحمولين قال لما مشيت أنا و رفيقي إلى الجبل المسمى قاف و هو جبل محيط بالبحر المحيط بالأرض و قد خلق اللّٰه حية على شاطئ ذلك البحر بين البحر و الجبل دارت بجسمها بالبحر المحيط إلى أن اجتمع رأسها بذنبها فوقفنا عندها فقال لي صاحبي سلم عليها فإنها ترد عليك قال موسى فسلمت عليها فقالت و عليك السلام و رحمة اللّٰه و بركاته ثم قالت لي كيف حال الشيخ أبي مدين و كان أبو مدين ببجاية في ذلك الوقت فقلت لها تركته في عافية و ما علمك به فتعجبت و قالت و هل على وجه الأرض أحد لا يحبه وجهها إنه و اللّٰه مذ اتخذه اللّٰه وليا نادى به في ذواتنا و أنزل محبته إلى الأرض في قلوبنا فما من حجر و لا مدر و لا شجر و لا حيوان إلا و هو يعرفه و يحبه فقلت لها و اللّٰه لقد ثم أناس يريدون قتله لجهلهم به و بغضهم فيه فقالت ما علمت إن أحدا يكون على هذه الحال فيمن أحبه اللّٰه فهذا من ذلك الباب و منه شهادة الأيدي و الأرجل و الجلود و الأفواه و الألسنة التي هي في نظرنا خرس هي ناطقة في نفس الأمر فكل مخلوق ما عدا بنى آدم في مقام الخشوع و التواضع إلا الإنسان فإنه يدعي الكبرياء و العزة و الجبروت على اللّٰه تبارك و تعالى و أما الجن فتدعى ذلك على من دونها في زعمها من المخلوقين كاستكبار إبليس من حيث نشأته على آدم عليه السلام و لذا قال ﴿أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ [الإسراء:61] لأنه رأى عنصر النار أشرف من عنصر التراب و قال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية