فأوجد العالم سبحانه ليظهر سلطان الأسماء فإن قدرة بلا مقدور وجودا بلا عطاء و رازقا بلا مرزوق و مغيثا بلا مغاث و رحيما بلا مرحوم حقائق معطلة التأثير و جعل العالم في الدنيا ممتزجا مزج القبضتين في العجنة ثم فصل الأشخاص منها فدخل من هذه في هذه من كل قبضة في أختها فجهلت الأحوال و في هذا تفاضلت العلماء في استخراج الخبيث من الطيب و الطيب من الخبيث و غايته التخليص من هذه المزجة و تمييز القبضتين حتى تنفرد هذه بعالمها و هذه بعالمها كما قال اللّٰه تعالى ﴿لِيَمِيزَ اللّٰهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴾ [الأنفال:37] فمن بقي فيه شيء من المزجة حتى مات عليها لم يحشر يوم القيامة من الآمنين و لكنه منهم من يتخلص من المزجة في الحساب و منهم من لا يتخلص منها إلا في جهنم فإذا تخلص أخرج فهؤلاء هم أهل الشفاعة و أما من تميز هنا في إحدى القبضتين انقلب إلى الدار الآخرة بحقيقته من قبره إلى نعيم أو إلى عذاب و جحيم فإنه قد تخلص فهذا غاية العالم و هاتان حقيقتان راجعتان إلى صفة هو الحق عليها في ذاته و من هنا قلنا يرونه أهل النار معذبا و أهل الجنة منعما و هذا سر شريف ربما تقف عليه في الدار الآخرة عند المشاهدة إن شاء اللّٰه و قد نالها المحققون في هذه الدار
[العوالم العلوية و السفلية و نظائرها من الإنسان]
و أما قولنا في هذا الباب و معرفة أفلاك العالم الأكبر و الأصغر الذي هو الإنسان فأعني به عوالم كلياته و أجناسه و أمراؤه الذين لهم التأثير في غيرهم و جعلتها مقابلة هذا نسخة من هذا و قد ضربنا لها دوائر على صور الأفلاك و ترتيبها في كتاب إنشاء الدوائر و الجداول الذي بدأنا وضعه بتونس بمحل الإمام أبي محمد عبد العزيز ولينا و صفينا رحمه اللّٰه فلنلق منه في هذا الباب ما يليق بهذا المختصر فنقول إن العوالم أربعة العالم الأعلى و هو عالم البقاء ثم عالم الاستحالة و هو عالم الفناء ثم عالم التعمير و هو عالم البقاء و الفناء ثم عالم النسب و هذه العوالم في موطنين في العالم الأكبر و هو ما خرج عن الإنسان و في العالم الأصغر و هو الإنسان(فأما العالم الأعلى)فالحقيقة المحمدية و فلكها الحياة نظيرها من الإنسان اللطيفة و الروح القدسي و منهم العرش المحيط و نظيره من الإنسان الجسم و من ذلك الكرسي و نظيره من الإنسان النفس و من ذلك البيت المعمور و نظيره من الإنسان القلب و من ذلك الملائكة و نظيرها من الإنسان الأرواح التي فيه و القوي و من ذلك زحل و فلكه نظيره من الإنسان القوة العلمية و النفس و من ذلك المشتري و فلكه نظيرهما القوة الذاكرة و مؤخر الدماغ و من ذلك الأحمر و فلكه نظيرهما القوة العاقلة و اليافوخ و من ذلك الشمس و فلكها نظيرهما القوة المفكرة و وسط الدماغ ثم الزهرة و فلكها نظيرهما القوة الوهمية و الروح الحيواني ثم الكاتب و فلكه نظيرهما القوة الخيالية و مقدم الدماغ ثم القمر و فلكه نظيرهما القوة الحسية و الجوارح التي تحس فهذه طبقات العالم الأعلى و نظائره من الإنسان(و أما عالم الاستحالة)فمن ذلك كرة الأثير و روحها الحرارة و اليبوسة و هي كرة النار و نظيرها الصفراء و روحها القوة الهاضمة و من ذلك الهواء و روحه الحرارة و الرطوبة و نظيره الدم و روحه القوة الجاذبة و من ذلك الماء و روحه البرودة و الرطوبة نظيره البلغم و روحه القوة الدافعة و من ذلك التراب و روحه البرودة و اليبوسة نظيره السوداء و روحها القوة الماسكة و أما الأرض فسبع طباق أرض سوداء و أرض غبراء و أرض حمراء و أرض صفراء و أرض بيضاء و أرض زرقاء و أرض خضراء نظير هذه السبعة من الإنسان في جسمه الجلد و الشحم و اللحم و العروق و العصب و العضلات و العظام(و أما عالم التعمير)فمنهم الروحانيون نظيرهم القوي التي في الإنسان و منهم عالم الحيوان نظيره ما يحس من الإنسان و منهم عالم النبات نظيره ما ينمو من الإنسان و من ذلك عالم الجماد نظيره ما لا يحس من الإنسان(و أما عالم النسب)فمنهم العرض نظيره الأسود و الأبيض و الألوان و الأكوان ثم الكيف نظيره الأحوال مثل الصحيح و السقيم ثم الكم نظيره الساق أطول من الذراع ثم الأين نظيره العنق مكان للرأس و الساق مكان للفخذ ثم الزمان نظيره حركت رأسي وقت تحريك يدي ثم الإضافة نظيرها هذا أبي فأنا ابنه ثم الوضع نظيره لغتي و لحني ثم أن يفعل نظيره أكلت ثم أن ينفعل نظيره شبعت و منهم اختلاف الصور في الأمهات كالفيل و الحمار و الأسد و الصرصر نظير هذا القوة الإنسانية التي تقبل الصور المعنوية من مذموم و محمود هذا فطن فهو فيل هذا بليد فهو حمار هذا شجاع فهو أسد هذا جبان فهو صرصر ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
(الباب السابع)في معرفة بدء الجسوم الإنسانية
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية