﴿أَ وَ لاٰ يَذْكُرُ الْإِنْسٰانُ أَنّٰا خَلَقْنٰاهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً﴾ [مريم:67] تنبيه على شرف الرتبة ﴿هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾ [الانسان:1] مع وجود عينه لأن الحين الدهري أتى عليه فالفقر احتياج ذاتي من غير تعيين حاجة لجهله بالأصلح له و من أسماء اللّٰه المانع و هو قد ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] حتى الغرض لما خلقه فينا أعطاه خلقه فلإنزال أصحاب أغراض فما يمنع إلا للمصلحة كما يملي لقوم ﴿لِيَزْدٰادُوا إِثْماً﴾ [آل عمران:178] فقد أعطاهم الإثم كما أعطى الإثم خلقه فالحق لا يتقيد إنعامه و القوابل تقبل بحسب استعداداتها فمنعه عطاء لعلمه بالمصالح لذلك حكي عن بعضهم أنه سئل عن الفقير ما هو فقال من ليست له إلى اللّٰه حاجة يعني على التعيين و نبه أن الاحتياج له ذاتي و اللّٰه قد ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] فقد أعطاك ما فيه المصلحة لك لو علمت فما بقي لصاحب هذا المقام ما يسأل اللّٰه فيه و ما شرع السؤال إلا لمن ليس له هذا الشهود و رآه يسأل الأغيار فغار فشرع له أن يسأله و لما سبق في علمه أنه يخلق قوما و يخلق فيهم السؤال إلى الأغيار و يحجبهم عن العلم به أنه المسئول في كل عين مسئولة يفتقر إليها من جماد و نبات و حيوان و ملك و غير ذلك من المخلوقات أخبرنا أن الناس فقراء إلى اللّٰه أي هو المسئول على الحقيقة فإنه ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [المؤمنون:88] فالفقر إلى اللّٰه هو الأصل فالعلماء بالله هم الذين يحفظون أحوالهم
(وصل) [الغني بالله]
الغني بالله فقير إليه فالنسبة بلفظ الفقر إلى اللّٰه أولى من النسبة بالغنى لأن الغني نعت ذاتي يرفع المناسبة بين ذات الحق و الخلق و كل طلب فيوذن بمناسبة فإن الحاصل لا يبتغى فلا يكون الطلب إلا في شيء ليس عند الطالب في حال الطلب و لهذا لا يتعلق إلا بالعدم الذي هو عين المعدوم و قد يكون ذلك المطلوب في عين موجودة و لا عين موجودة ما في الكون إلا طالب فما في الكون إلا فقير لما طلب و يتميز الفقر عن سائر الصفات بأمر لا يكون لغيره و هو أنه صفة للمعدوم و الموجود و كل صفة وجودية من شرطها أن تقوم بالموجود أ لا ترى الممكن في حال عدمه يفتقر إلى المرجح فإذا وجد افتقر أيضا إلى استمرار الوجود له و حفظه عليه فلا يزال فقيرا ذا فقر في حال وجوده و في حال عدمه فهو أعم المقامات حكما فالذي يكتسب من هذه الصفة إضافة خاصة و هي الفقر إلى اللّٰه لا إلى غيره و به يثنى عليه و هو الذي يسعده و يقربه إلى اللّٰه و يشركه في هذه الإضافة كل وصف جبل عليه الإنسان مثل البخل و الحرص و الشرة و الحسد و غير ذلك تشرف و تعلو بالإضافة و المصرف و تتضع و تسفل بالإضافة و المصرف لا فقر أعظم من فقر الملوك لأنه مفتقر إلى مشاغلي و إلى كل ما يصح له به الملك و هو فقير إلى ملكه الذي يبقى عليه اسم الملك قيل للسلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب رحمه اللّٰه سنة إحدى و ثمانين و خمسمائة لما ذكر أبو القمح المنجم أن ريحا عظيمة في هذه السنة تكون لا تمر على شيء ﴿إِلاّٰ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ [الذاريات:42] فأشار عليه بعض جلسائه أن يتخذ في الأرض سربا يكون فيه ليلة هبوب تلك الريح فقال و يهلك الناس قيل له نعم فقال إذا هلك الناس فعلى من أكون ملكا أو سلطانا لا خير في الحياة بعد ذهاب الملك دعني أموت ملكا و اللّٰه لا فعلت فانظر ما أحسن هذا فكل موجود إضافي متحقق بالفقر و إن لم يشعر بذلك و إن وجده فلا يعلم أن ذلك هو المسمى فقرا و إذا كان حكمه هذا فالفقر إلى اللّٰه تعالى الذي ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [المؤمنون:88]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية