اعلم وفقك اللّٰه أن الفكر ليس بنعت إلهي إلا إذا كان بمعنى التدبير و التردد في الأولى فحينئذ يكون نعتا إلهيا و أما الفكر بمعنى الاعتبار فهو نعت طبيعي و لا يكون في أحد من المخلوقين سوى هذا الصنف البشري و هو لأهل العبر الناظرين في الموجودات من حيث ما هي دلالات لا من حيث أعيانها و لا من حيث ما تعطي حقائقها قال تعالى ﴿وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [آل عمران:191] فإذا تفكروا أفادهم ذلك التفكر علما لم يكن عندهم فقالوا ﴿رَبَّنٰا مٰا خَلَقْتَ هٰذٰا بٰاطِلاً سُبْحٰانَكَ فَقِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ﴾ [آل عمران:191] فما عدلوا إلى الاستجارة به من عذاب النار إلا و قد أعطاهم الفكر في خلق السموات و الأرض علما أشهدهم النار ذلك العلم فطلبوا من اللّٰه أن يحول بينهم و بين عذاب النار و هكذا فائدة كل مفكر فيه إذا أعطى للمفكر علما ما يسأل اللّٰه منه بحسب ما يعطيه
[أمر الشارع بالتفكر و هو نعت طبيعى ليكون عبادة و هي مقام روحى]
فمقام الفكر لا يتعدى النظر في الإله من كونه إلها و فيما ينبغي أن يستحقه من له صفة الألوهية من التعظيم و الإجلال و الافتقار إليه بالذات و هذا كله يوجد حكمه قبل وجود الشرائع ثم جاء الشرع به مخبرا و آمرا فأمر به و إن أعطته فطرة البشر ليكون عبادة يؤجر عليها فإنه إذا كان عملا مشروعا للعبد أثمر له ما لا يثمر له إذا اتصف به لا من حيث ما هو مشروع
[ليس للفكر حكم و لا مجال في ذات الحق لا عقلا و لا شرعا]
و ليس للفكر حكم و لا مجال في ذات الحق لا عقلا و لا شرعا فإن الشرع قد منع من التفكر في ذات اللّٰه و إلى ذلك الإشارة بقوله ﴿وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ﴾ [آل عمران:28]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية