﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ﴾ [البقرة:253] فلا يغتاب أيضا اسم فاعل و اسم مفعول
[المواطن المخصوصة التي تكون فيها الغيبة واجبة]
فالغيبة حرام على المكلفين فيما بينهم و يجتنبها أهل المروءات من غير المؤمنين نزاهة و شرف نفس لأن اجتنابها يدل على كرم الأصول إلا في مواطن مخصوصة فإنها واجبة و قربة إلى اللّٰه و أهل الورع من المؤمنين يعرضون بها و لا يصرحون فمن ذلك في طريق الجرح الذي يعرفه المحدثون في رواة الأحكام المشروعة روينا عن بعض العلماء بالله أنه كان يقول في ذلك لصاحبه تعال نغتب في اللّٰه و منها عند المشورة في النكاح فإنه مؤتمن و النصيحة واجبة و منها الغيبة المرسلة و هو أن يغتاب أهل زمانه من غير تعيين شخص بعينه و منها غيبة المشايخ المريدين في حال التربية إذا كان فيها صلاح المريد إذا وصل ذلك إليه و مع كون الغيبة محمودة في هذه المواطن فعدم التعيين فيها أولى من التعيين «فإن النبي ﷺ يقول لا غيبة في فاسق» نهيا لا نفيا على هذا أخذ أهل الورع هذا الخبر و طريق التعريض هين المأخذ و ما عدا أمثال هذه المواطن فهي مذمومة يجب اجتنابها
[العدم هو الشر و الشر عدم]
و من هذا الباب تجريح الشهود إذا عرف المشهود عليه أنهم شهدوا بالزور فوجب عليه نصرة الحق و أهله و خذلان الباطل و أهله و من هنا يتبين لك أن العدم هو الشر فإن شهداء الزور مالوا إلى جانب العدم و رجحوه على الوجود و وصفوا بالكون ما ليس بكائن و جعله اللّٰه على لسان رسوله من الكبائر لأنه ما مدلول قولهم إلا العدم و مع هذا كله إن استطاع من هو من أهل طريق اللّٰه التعريض لا التصريح حتى يفهم عنه ما يريد إذا علم إن في ذلك منفعة دينية فليفعل فهو أولى و يحصل الغرض و يكون اللسان قد وفى ما تعين عليه من غير فحش في المنطق و هذا كله ما دام يسمى مؤمنا و أما إن كان هذا الشخص في مقام من كان الحق سمعه و بصره و لسانه فحاله غير حال المؤمن مع أنه من أهل الايمان
[الدواء العامي و الدواء الملكي]
و اعلم أن اللّٰه تعالى ما خلق داء إلا و خلق له دواء و الأدوية على نوعين دواء العامة و هو الذي يقدر عليه كل أحد و الدواء الآخر دواء ملكي و هو الذي لا يقدر عليه إلا الملوك و الأغنياء لنفاسته و غلو ثمنه فلا يقدر عليه إلا المتمكن من المال و السلطان و هكذا قسم الأدوية أهل الطب و صادفوا الحق في ذلك فأما الدواء العام النافع الداخل تحت قدرة كل أحد من غني و فقير و سوقة و ملوك من داء جميع الذنوب و المعاصي فهو التوبة و إرضاء الخصوم من شروطها مما يقدر عليه من ذلك و عينه عليه الشارع إذا كان ذلك الداء مما ينبغي أن يرضى فيه الخصوم و إذا كان مما لا ينبغي فيتوب و لا يرضى خصمه فإنه إن أرضاه قد يقع في محظور أشد مما كان قد تاب عنه فلا يغفل عنه
[الدواء الملكي لا يستعمله إلا العارفون]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية