فقوله للشيء كن بالحرفين الكاف و النون بمنزلة اليدين في خلق آدم فأقام القول للشيء مقام المباشرة و أقام الكاف و النون مقام اليدين و أقام الواو المحذوفة لاجتماع الساكنين مقام الجامع بين اليدين في خلق آدم و أخفى ذكره كما خفيت الواو من كن غير أن خفاءها في كن لأمر عارض و خفاء الجامع بين اليدين لاقتضاء ما تعطيه حقيقة الفعل و هو قوله ﴿مٰا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [الكهف:51] و هو حال الفعل لأنه ليس في حقائق ما سوى اللّٰه ما يعطي ذلك المشهد فلا فعل لأحد سوى اللّٰه و لا فعل عن اختيار واقع في الوجود فالاختيارات المعلومة في العالم من عين الجبر فهم المجبورون في اختيارهم و الفعل الحقيقي لا جبر فيه و لا اختيار لأن الذات تقتضيه فتحقق ذلك
[البشر و المباشرة و كمال الوجود]
فلمباشرة الوجود المطلق الأعيان الثابتة لظهور الوجود المقيد سمي الوجود المقيد بشرا و اختص به الإنسان لأنه أكمل الموجودات خلقا و كل نوع من الموجودات ليس له ذلك الكمال في الوجود فالإنسان أتم المظاهر فاستحق اسم البشر دون غيره من الأعيان
[كلام للبشر ذو ثلاث صور]
و أما قوله تعالى ﴿وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مٰا يَشٰاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى:51] فسمى المكلم هنا بشرا بهذه الضروب كلها من الكلام لما يباشره من الأمور الشاغلة له عن اللحوق برتبة الروح التي له من حيث روحانيته فإن ارتقى عن درجة البشرية كلمه اللّٰه من حيث ما كلم الأرواح إذ كانت الأرواح أقوى في التشبه لكونها لا تقبل التحيز و الانقسام و تتجلى في الصور من غير أن يكون لها باطن و ظاهر فما لها سوى نسبة واحدة من ذاتها و هي عين ذاتها و البشر من نشأته ليس كذلك فإنه على صورة العالم كله ففيه ما يقتضي المباشرة و التحيز و الانقسام و هو مسمى البشر و فيه ما لا يطلب ذلك و هو روحه المنفوخ فيه و على بشريته توجهت اليدان فظهرت الشفعية في اليدين في نشأته فلا يسمع كلام الحق من كونه بشرا إلا بهذه الضروب التي ذكرها أو بأحدها فإذا زال في نظره عن بشريته و تحقق بمشاهدة روحه كلمه اللّٰه بما يكلم به الأرواح المجردة عن المواد مثل قوله تعالى في حق محمد صلى اللّٰه عليه و سلم و في حق الأعرابي ﴿فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] و ما تلاه عليه غير لسان محمد صلى اللّٰه عليه و سلم فأقام محمدا صلى اللّٰه عليه و سلم في هذه الصورة مقام الروح الأمين الذي نزل بكلام اللّٰه على قلب محمد صلى اللّٰه عليه و سلم و هو قوله ﴿أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً﴾ [الشورى:51] يعني لذلك البشر ﴿فَيُوحِيَ﴾ [الشورى:51]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية