و يقول ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً﴾ [الأنفال:29] و ﴿قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] و ﴿عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً﴾ [الكهف:65] فعند ما توجهت قلوبهم و هممهم إلى اللّٰه تعالى و لجأت إليه و ألقت عنها ما استمسك به الغير من دعوى البحث و النظر و نتائج العقول كانت عقولهم سليمة و قلوبهم مطهرة فارغة فعند ما كان منهم هذا الاستعداد تجلى الحق لهم معلما فأطلعتهم تلك المشاهدة على معاني هذه الأخبار و الكلمات دفعة واحدة و هذا ضرب من ضروب المكاشفة فإنهم إذا عاينوا بعيون القلوب من نزهته العلماء المتقدم ذكرهم بالإدراك الفكري لم يصح لهم عند هذا الكشف و المعاينة أن يجهلوا خبرا من هذه الأخبار التي توهم و لا إن يبقوا ذلك الخبر منسحبا على ما فيه من الاحتمالات النزيهة من غير تعيين بل يعرفون الكلمة و المعنى النزيه الذي سيقت له فيقصروها على ما أريدت له و إن جاء في خبر آخر ذلك اللفظ عينه فله وجه آخر من تلك الوجوه المقدسة معين عند هذا المشاهد هذا حال طائفة منا و طائفة أخرى منا أيضا ليس لهم هذا التجلي و لكن لهم الإلقاء و الإلهام و اللقاء و الكتابة و هم معصومون فيما يلقى إليهم بعلامة عندهم لا يعرفها سواهم فيخبرون بما خوطبوا به و ما ألهموا به و ما ألقى إليهم أو كتب فقد تقرر عند جميع المحققين الذين سلموا الخبر لقائله و لم ينظروا و لا شبهوا و لا عطلوا و المحققين الذين بحثوا و اجتهدوا و نظروا على طبقاتهم أيضا و المحققين الذين كوشفوا و عاينوا و المحققين الذين خوطبوا و ألهموا أن الحق تعالى لا تدخل عليه تلك الأدوات المقيدة بالتحديد و التشبيه على حد ما نعقله في المحدثات و لكن تدخل عليه بما فيها من معنى التنزيه و التقديس على طبقات العلماء و المحققين في ذلك لما فيه و تقتضيه ذاته من التنزيه و إذا تقرر هذا فقد تبين أنها أدوات التوصيل إلى أفهام المخاطبين و كل عالم على حسب فهمه فيها و قوة نفوذه و بصيرته فعقيدة التكليف هينة الخطب فطر العالم عليها و لو بقيت المشبهة مع ما فطرت عليه ما كفرت و لا جسمت و إن كان ما أرادوا التجسيم و إنما قصدوا إثبات الوجود لكن لقصور أفهامهم ما ثبت لهم إلا بهذا التخيل فلهم النجاة
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية