[الأولياء المتصدقون]
و من الأولياء أيضا المتصدقون و المتصدقات رضي اللّٰه عنهم تولاهم اللّٰه بجوده ليجودوا بما استخلفهم اللّٰه فيه مما افتقر إليه خلق اللّٰه فأحوج اللّٰه الخلق إليهم لغناهم بالله فالكلمة الطيبة صدقة و لما كان حالهم التعمل في الإعطاء لا العمل دل على أنهم متكسبون في ذلك لنظرهم أن ذلك ليس لهم و إنما هو لله فلا يدعون فيما ليس لهم فلا منة لهم في الذي يوصلونه إلى الناس أو إلى خلق اللّٰه من جميع الحيوانات و كل متغذ عليهم لكونهم مؤدين أمانة كانت بأيديهم أوصلوها إلى مستحقيها فلا يرون أن لهم فضلا عليهم فيما أخرجوه و هذه الحالة لا يمدحون بها إلا مع الدوام و الدءوب عليها في كل حال و العارفون هنا في هذه الصفة على طبقتين منهم من يكون عين ما يعطيه مشهودا له أنه حق لمن يعطيه لأن اللّٰه ما خلق الأشياء التي يقع بها الانتفاع لنفسه و إنما خلق الخلق للخلق فهذا معنى الاستحقاق و طبقة أخرى يكون مشهودا لهم كون خالق النعمة مختارا فيبطل عندهم الاستحقاق بأنهم يرون أن اللّٰه ما خلق الخلق أجمعه إلا لعبادته و لهذا قال ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] و يسجد له و كان إيصال بعض الخلق للخلق بحكم لتبعية لا بالقصد الأول و إن لم يكن هناك ما يقال فيه قصد أول و لا ثان و لكن العبارات من أجل إبراز الحقائق تعطي ذلك و لله عباد من المتصدقين أقامهم الحق بين هاتين الطبقتين فهم ينظرون في حين كونهم متصدقين الاستحقاق لبقاء عين من تصدق عليه ليصح منه ما خلق له من التسبيح لربه و الثناء عليه و لكن لا من حيث إنه آكل مثلا و لا شارب في حق من يكون بقاؤه بالأكل و الشرب فذلك لا يكون باستحقاق و إنما الاستحقاق ما به بقاؤه و أسبابه كثيرة ثم تنظر هذه الطبقة الثالثة المتولدة بينهما من عين آخر معا و هو أن تنظر إلى الحق من حيث ما تقتضيه ذاته فيرتفع عندها الاختيار و ترى أن المظاهر الإلهية هي المسبحة فلا يسبح اللّٰه إلا اللّٰه و لا يحمده إلا هو فهو ثناء ذاتي لا ثناء افتقار لاكتساب ثناء فهؤلاء أحق باسم المتصدقين من غيرهم حيث أثبتوا أعيانهم و نفوا أحكامهم و اللّٰه الهادي
[الأولياء الصائمون]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية