فما جاء إبليس إلا بأمر اللّٰه تعالى فهو أمر إلهي يتضمن وعيدا و تهديدا و كان ابتلاء شديدا في حقنا ليريه تعالى أن في ذريته من ليس لإبليس عليه سلطان و لا قوة ثم إن الذي خذلهم اللّٰه من العباد جعلهم طائفتين طائفة لا تضرهم الذنوب التي وقعت منهم و هو قوله ﴿وَ اللّٰهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَ فَضْلاً﴾ [البقرة:268] فلا تمسهم النار بما تاب اللّٰه عليهم و استغفار الملإ الأعلى لهم و دعائه لهذه الطائفة و طائفة أخرى أخذهم اللّٰه بذنوبهم و الذين أخذهم اللّٰه بذنوبهم قسمهم بقسمين قسم أخرجهم اللّٰه من النار بشفاعة الشافعين و هم أهل الكبائر من المؤمنين و بالعناية الإلهية و هم أهل التوحيد بالنظر العقلي و قسم آخر أبقاهم اللّٰه في النار
[المجرمون:طوائفهم و أصنافهم]
و هذا القسم هم أهل النار الذين هم أهلها و هم المجرمون خاصة الذين يقول اللّٰه فيهم ﴿وَ امْتٰازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس:59] أي المستحقون بأن يكونوا أهلا لسكنى هذه الدار التي هي جهنم يعمرونها ممن يخرج منها إلى الدار الآخرة التي هي الجنة و هؤلاء المجرمون أربع طوائف كلها في النار ﴿لاٰ يُخْرَجُونَ مِنْهٰا﴾ [الجاثية:35] و هم المتكبرون على اللّٰه كفرعون و أمثاله ممن ادعى الربوبية لنفسه و نفاها عن اللّٰه فقال ﴿يٰا أَيُّهَا الْمَلَأُ مٰا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرِي﴾ [القصص:38] و قال ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ﴾ [النازعات:24] يريد أنه ما في السماء إله غيري و كذلك نمرود و غيره و الطائفة الثانية المشركون و هم ﴿اَلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ﴾ [الحجر:96] ﴿اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ﴾ [الحجر:96] فقالوا ﴿مٰا نَعْبُدُهُمْ إِلاّٰ لِيُقَرِّبُونٰا إِلَى اللّٰهِ زُلْفىٰ﴾ [الزمر:3]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية