(فإن قلت)فلخص لي هذه الطريقة التي تدعى أنها الطريقة الشريفة الموصلة السالك عليها إلى اللّٰه تعالى و ما تنطوي عليه من الحقائق و المقامات بأقرب عبارة و أوجز لفظ و أبلغه حتى أعمل عليه و نصل إلى ما ادعيت أنك توصلت إليه و بالله أقسم إني لا آخذه منك على وجه التجربة و الاختبار و إنما آخذه منك على الصدق فإني قد حسنت الظن بك إحسان قطع إذ قد نبهتني على حظ ما أتيت به من العقل و إن ذلك مما يقطع العقل بجوازه و إمكانه أو يقف عنده من غير حكم معين فشكر اللّٰه لك ذلك و بلغك آمالك و نفعك و نفع بك.فاعلم أن الطريق إلى اللّٰه تعالى الذي سلكت عليه الخاصة من المؤمنين الطالبين نجاتهم دون العامة الذين شغلوا أنفسهم بغير ما خلقت له إنه على أربع شعب بواعث و دواع و أخلاق و حقائق و الذي دعاهم إلى هذه الدواعي و البواعث و الأخلاق و الحقائق ثلاثة حقوق تفرضت عليهم حق لله و حق لأنفسهم و حق للخلق فالحق الذي لله تعالى عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا و الحق الذي للخلق عليهم كف الأذى كله عنهم ما لم يأمر به شرع من إقامة حد و صنائع المعروف معهم على الاستطاعة و الإيثار ما لم ينه عنه شرع فإنه لا سبيل إلى موافقة الغرض إلا بلسان الشرع و الحق الذي لأنفسهم عليهم أن لا يسلكوا بها من الطرق إلا الطريق التي فيها سعادتها و نجاتها و إن أبت فلجهل قام بها أو سوء طبع فإن النفس الآبية إنما يحملها على إتيان الأخلاق الفاضلة دين أو مروءة فالجهل يضاد الدين فإن الدين علم من العلوم و سوء الطبع يضاد المروءة ثم نرجع إلى الشعب الأربع فنقول الدواعي خمسة الهاجس السببي و يسمى نفر الخاطر ثم الإرادة ثم العزم ثم الهمة ثم النية و البواعث لهذه الدواعي ثلاثة أشياء رغبة أو رهبة أو تعظيم و الرغبة رغبتان رغبة في المجاورة و رغبة في المعاينة و إن شئت قلت رغبة فيما عنده و رغبة فيه و الرهبة و رهبتان رهبة من العذاب و رهبة من الحجاب و التعظيم إفراده عنك و جمعك به.و الأخلاق على ثلاثة أنواع خلق متعد و خلق غير متعد و خلق مشترك.فالمتعدي على قسمين متعد بمنفعة كالجود و الفتوة و متعد بدفع مضرة كالعفو و الصفح و احتمال الأذى مع القدرة على الجزاء و التمكن منه و غير المتعدي كالورع و الزهد و التوكل.و أما المشترك فكالصبر على الذي من الخلق و بسط الوجه.و أما الحقائق فعلى أربعة حقائق ترجع إلى الذات المقدسة و حقائق ترجع إلى الصفات المنزهة و هي النسب و حقائق ترجع إلى الأفعال و هي كن و أخواتها و حقائق ترجع إلى المفعولات و هي الأكوان و المكونات و هذه الحقائق الكونية على ثلاث مراتب علوية و هي المعقولات و سفلية و هي المحسوسات و برزخية و هي المخيلات.فأما الحقائق الذاتية فكل مشهد يقيمك الحق فيه من غير تشبيه و لا تكييف لا تسعه العبارة و لا تومئ إليه الإشارة.و أما الحقائق الصفاتية فكل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كونه سبحانه عالما قادرا مريدا حيا إلى غير ذلك من الأسماء و الصفات المختلفة و المتقابلة و المتماثلة.و أما الحقائق الكونية فكل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة الأرواح و البسائط و المركبات و الأجسام و الاتصال و الانفصال.و أما الحقائق الفعلية فكل مشهد يقيمك فيه تطلع منه على معرفة كن و تعلق القدرة بالمقدور بضرب خاص لكون العبد لا فعل له و لا أثر لقدرته الحادثة الموصوف بها.و جميع ما ذكرناه يسمى الأحوال و المقامات فالمقام منها كل صفة يجب الرسوخ فيها و لا يصح التنقل عنها كالتوبة.و الحال منها كل صفة تكون فيها في وقت دون وقت كالسكر و المحو و الغيبة و الرضي أو يكون وجودها مشروطا بشرط فتنعدم لعدم شرطها كالصبر مع البلاء و الشكر مع النعماء و هذه الأمور على قسمين.قسم كماله في ظاهر الإنسان و باطنه كالورع و التوبة و قسم كماله في باطن الإنسان ثم إن تبعه الظاهر فلا بأس كالزهد و التوكل و ليس ثم في طريق اللّٰه تعالى مقام يكون في الظاهر دون الباطن.ثم إن هذه المقامات منها ما يتصف به الإنسان في الدنيا و الآخرة كالمشاهدة و الجلال و الجمال و الأنس و الهيبة و البسط و منها ما يتصف به العبد إلى حين موته إلى القيامة إلى أول قدم يضعه في الجنة و يزول عنه كالخوف و القبض و الحزن و الرجاء و منها ما يتصف به العبد إلى حين موته كالزهد و التوبة و الورع و المجاهدة و الرياضة و التخلي و التحلي على طريق القربة و منها ما يزول لزوال شرطه و يرجع لرجوع شرطه كالصبر و الشكر و الورع فهذا وفقنا اللّٰه و إياك قد بينت لك الطريق مرتب المنازل ظاهر المعاني و الحقائق على غاية الإيجاز و البيان و الاستيفاء العام فإن سلكت وصلت و اللّٰه سبحانه يرشدنا و إياك
«فصل» [المسائل السبع التي يختص بعلمها أهل الحق]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية