«فإن علامة المنافق و آيته إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا اؤتمن خان و إذا خاصم فجر» و أعظم الخيانة أن تحدث أخاك بحديث يرى أنك صادق فيه و أنت على غير ذلك و إن الإنسان إذا كذب الكذبة تباعد منه الملك ثلاثين ميلا من نتن ما جاء به و كذلك الشيطان إذ أمر ابن آدم بالمعصية فعصى تبرأ منه الشيطان خوفا من اللّٰه تعالى فاعمل على ذوق هذه الروائح المعنوية و استنشاقها فإن له حجبا على أنفك تمنعك من إدراك أنتن ذلك فلا يكن الشيطان مع كفره أدرك للأمور و أخوف من اللّٰه منك و اعتبر في تبريه من ذلك فإنها خميرة من اللّٰه في قلبه إلى زمان ما يظهر حكمها فيه مع كونه مجبولا على الإغواء كما هو مجبول على التبري و الخوف من اللّٰه أخبر اللّٰه عنه أنه يقول ﴿لِلْإِنْسٰانِ اكْفُرْ﴾ [الحشر:16] فإذا كفر يقول الشيطان ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخٰافُ اللّٰهَ رَبَّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الحشر:16] فما أخذ الشيطان قط يعلمه لشرف علمه و إنما يؤخذ لصدق الحق فيما قاله فيما شرعه فيمن سن سنة سيئة فله وزرها و وزر من عمل بها فالشيطان يوم القيامة يحمل أثقال غيره فإنه في كل إغواء يتوب عقيبه ثم يشرع في إغواء آخر فيؤخذ بعمل غيره لأنه من وسوسته و الإنسان الذي لا يتوب إذا سن سنة سيئة يحمل ثقلها و أثقال من عمل بها فيكون الشيطان أسعد حالا منه بكثير و إياك أن تخلف وعدك و لتخلف إيعادك و لكن سم إخلاف إيعادك تجاوزا حتى لا تتسمى بأنك مخلف ما أوعدت به من الشر و هذه شبهة المعتزلة و غاب عنها قوله تعالى و ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه و ما تواطئوا عليه أعني الأعراب إذا أوعدت أو وعدت بالشر التجاوز عنه و جعلت ذلك من مكارم الأخلاق فعاملهم الحق بما تواطئوا عليه فزلت هنا المعتزلة زلة عظيمة أوقعها في ذلك استحالة الكذب على اللّٰه تعالى في خبره و ما علمت إن مثل هذا لا يسمى كذبا في العرف الذي نزل به الشرع فحجبهم دليل عقلي عن علم وضع حكمي و هذا من قصور بعض العقول و وقوفها في كل موطن مع أدلتها و لا ينبغي لها ذلك و لتنظر إلى المقاصد الشرعية في الخطاب و من خاطب و بأي لسان خاطب و بأي عرف أوقع المعاملة في تلك الأمة المخصوصة يقول بعض الأعراب في كرم خلقه و إني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادى و منجز موعدي لكن لا ينبغي أن يقال مخلف بل ينبغي أن يقال إنه عفو متجاوز عن عبده
(وصية)
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية