﴿إِنّٰا وَجَدْنٰاهُ صٰابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّٰابٌ﴾ [ص:44] فذكره بكثرة الرجوع إليه في كل أمر ينزل به فمن حبس نفسه عند الضر النازل به عن الشكوى إلى اللّٰه في رفع ما نزل به و صبر مثل هذا الصبر فقد قاوم القهر الإلهي فإن اللّٰه قاهر هذا العبد و إن كان محمودا في الطريق و لكن الشكوى إلى اللّٰه أعلى منه و أتم و لهذا قلنا إن الدعاء لا يقدح و لا يقتضي المنازعة بل هو أعلى و أثبت في العبودة من تركه و أما الرضاء و التسليم فهما نزاع خفي لا يشعر به إلا أهل اللّٰه فإن كان متعلق الرضاء المقضي به فيحتاج إلى ميزان شرعي و إن كان متعلق الرضاء القضاء فإن كان القضاء يطلب القهر و يجد الراضي ذلك من نفسه فيعلم إن فيه نزاعا خفيا فيبحث عنه حتى يزيله و إن لم ير أن ذلك القضاء يطلب القهر فيعلم أنه الرضاء الخالص الجبلي لأن الرضاء من راض يروض و منه الرياضة و رضت الدابة و هو الإذلال و لا يوصف به إلا الجموع و الجموح نزاع إنما يراض المهر الصغير لجموحه و جهله بما خلق له فإنه خلق للتسخير و الركوب و الحمل عليه و المهر يأبى ذلك فإنه ما يعلمه فيراض حتى ينقاد في أعنة الحكم الإلهي و كذلك رياضة النفوس لو لا ما فيها من الجموح لما راضها صاحبها فإذا خلقت مرتاضة بالأصالة فكان ينبغي أن لا يطلق عليها اسم راضية بل هي مرضية و إنما النفوس الإنسانية لما خلقها اللّٰه على الصورة الإلهية شمخت على جميع العالم ممن ليست له هذه الحقيقة و انحجبت عن الحقائق الإلهية التي تستند إليها حقائق العالم حقيقة حقيقة فاكتسبت الرياضة لأجل هذا الشموخ فذلت تحت سلطانه و حمدت على ذلك و كذلك التسليم لم يصح إلا مع التمكن من الجموح و كذلك التوكيل لم يصح إلا بعد الملك فهو نزاع خفي و القهر الإلهي يخفى بخفاء النزاع و يظهر بظهور النزاع و العارف لا يغفل عن نفسه طرفة عين فإنه إذا غفل عن نفسه غفل عن ربه و من غفل عن ربه نازع بباطنه ما يجده من الأثر فيه مما يخالف غرضه فيجيء القهر الإلهي فيقهره فيكون إذ أكثر منه مثل هذا يسمى عبد القهار و إذا قل منه يسمى عبد القاهر و الضابط لهذه الحضرة أن ينظر الإنسان في خفايا موافقاته و مخالفاته فيعلم من ذلك هل لهذه الحضرة حكم فيه أم لا فهذا أمر كلي قد و وكلناك فيه إلى نفسك و أنت أعلم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية