«قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم الندم توبة» و إنما الإنسان الولي إذا كان في المقام الذي كان و الحال التي كان عليها ملتذا بها فلذته إنما كانت بحاله فإن اللّٰه يتعالى أن يلتذ به فلما زل وعرته حالة الذلة و الانكسار زالت ضرورة الحالة التي كان يلتذ بوجودها و هي حالة الطاعة و الموافقة فلما فقدها نخيل أنه انحط من عين اللّٰه و إنما تلك الحالة لما زالت عنه انحط عنها إذ كانت حالة تقتضي الرفعة و هو الآن في معراج الذلة و الندم و الافتقار و الانكسار و الاعتراف و الأدب مع اللّٰه تعالى و الحياء منه فهو يترقى في هذا المعراج فيجد هذا العبد في غاية هذا المعراج حالة أشرف من الحالة التي كان عليها فعند ذلك يعلم أنه ما انحط و أته ترقي من حيث لا يشعر أنه في ترق و أخفى اللّٰه ذلك عن أوليائه لئلا يجترءوا عليه في المخالفات كما أخفى الاستدراج فيمن أشقاه اللّٰه فقال ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:182] فهم كما قال اللّٰه تعالى فيهم ﴿وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف:104] كذلك أخفى سبحانه تقريبه و عنايته فيمن أسعده اللّٰه بما شغله اللّٰه به من البكاء على ذنبه و مشاهدته زلته و نظره إليها في كتابه و ذهل عن إن ذلك الندم يعطيه الترقي عند اللّٰه فإنه ما بشره بقبول التوبة فهو متحقق وقوع الزلة حاكم عليه الانكسار و الحياء مما وقع فيه و إن لم يؤاخذه اللّٰه بذلك الذنب فكان الاستدراج حاصلا في الخير و الشر و في السعداء و الأشقياء و لقيت بمدينة فاس رجلا عليه كآبة كأنه يخدم في الأتون فسألت أبا العباس الحصار و كان من كبار الشيوخ عنه فإني رأيته يجالسه و يحن إليه فقال لي هذا رجل كان في مقام فانحط عنه فكان في هذا المقام و كان من الحياء و الانكسار بحالة وجبت عليه السكوت عن كلام الخلق فما زلت ألاطفه بمثل هذه الأدوية و أزيل عنه مرض تلك الزلة بمثل هذا العلاج و كان قد مكنني من نفسه فلم أزل به حتى سرى ذلك الدواء في أعضائه فأطلق محياه و فتح له في عين قلبه باب إلى قبوله و مع هذا فكان الحياء يستلزمه و كذلك ينبغي أن تكون زلات الأكابر غالبا نزولهم إلى المباحات لا غير و في حكم النادر تقع منهم الكبائر قيل لأبي يزيد البسطامي رضي اللّٰه عنه أ يعصي العارف فقال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية