[من زينة الحياة الدنيا المال و البنون]
قال اللّٰه تعالى ﴿اَلْمٰالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ الْبٰاقِيٰاتُ الصّٰالِحٰاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوٰاباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً﴾ [الكهف:46] و «قال عليه الصلاة و السلام بموت ابن آدم و ينقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم يبثه في الناس أو ولد صالح يدعو له» فقد جمع المال و البنون زينة الحياة الدنيا و ما تعطيه الباقيات الصالحات من الخير عند ربه و هو الثواب و من الخير المؤمل و هو البنون لأنهما من الباقيات الصالحات أعني المال و البنين إذا كان المال الصالح و الولد الصالح و أما العلم المذكور في هذا الخبر فهو ما سنه من سنة حسنة و جعل اللّٰه المال و الولد فتنة يختبر بهما عباده لأن لهما بالقلب لصوقا و هما محبوبان طبعا و يتوصل بهما و لا سيما بالمال إلى ما لا يتوصل بغير المال من أمور الخير و الشرفان غلب على العبد الطبع لم يقف في التصرف بماله عند حد بل ينال به جميع أغراضه و إن غلب على العبد الشرع وقف في التصرف في ما له عند ما حد له فيه ربه فلم ينل به جميع أغراضه و ما سمي المال ما لا إلا لكون القلب مال إليه لما فيه من بلوغ العبد إذا كان صالحا إلى جميع الخيرات التي يجدها عند ربه في المنقلب و إذا لم يكن تام الصلاح فلما فيه من بلوغه أغراضه به و أما الولد فلما كان لأبويه عليه ولادة أحباه و ما لا إليه ميل الفاعل إلى ما انفعل عنه و ميل الصانع إلى مصنوعه فميله لحب الولد ميل ذاتي فإن كرهه فبأمر عارض لأخلاق ذميمة و صفات شريرة نقوم بالولد فبغضه عرضي فيطلع من هذا الهجير على سبب رحمة اللّٰه التي وسعت كل شيء فإن العالم المكلف كله مصنوعه و هو من جملة من ظهرت فيه صنعته فلا بد أن يكون بالذات محبوبا لموجده حبا بالأصالة و إذا وقع عليه كره فمن بعض أفعاله و أفعاله عرضية و مع كونها عرضية ففيها ما يؤيد الأصالة و هو أن جميع الأفعال الظاهرة من العالم كلها لله و العالم محل لظهور تلك الأفعال أو هي للحق كالآلة للصانع فغلبت الرحمة و المحبة و تأخر حكم الغضب و ليس تأخره إلا عبارة عن إزالة دوام حكمه و ما فتن اللّٰه من فتن من عباده إلا بحكم ما ظهر عليهم من الدعاوي فيما يتصرفون فيه إن ذلك الفعل لهم حقيقة أو كسبا فلو أطلعهم اللّٰه على اليد الإلهية الخالقة و رأوا نفوسهم آلات صناعية لا يمكن وقوع غير ذلك لما اختبرهم اللّٰه فما اختبرهم إلا ليعثروا على مثل هذا العلم فيعصموا من الدعوى فيسعدوا ف ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّٰهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاٰلَةُ﴾ [النحل:36]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية