ففرض له البقاء و البقاء ليس إلا لله أو لما كان عند اللّٰه و ما ثم إلا اللّٰه أو ما هو عنده فخزائنه غير نافدة فليس إلا صور تعقب صورا و العلم بها يسترسل عليها استرسالا بقوله ﴿حَتّٰى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] مع علمه بها قبل تفصيلها فلو علمها مفصلة في حال إجمالها ما علمها فإنها مجملة و العلم لا يكون علما حتى يكون تعلقه بما هو المعلوم عليه فإن المعلوم هو الذي يعطيه بذاته العلم و المعلوم هنا غير مفصل فلا يعلمه إلا غير مفصل إلا أنه يعلم التفصيل في الإجمال و مثل هذا إلا يدل على أن المجمل مفصل إنما يدل على أنه يقبل التفصيل إذا فصل بالفعل هذا معنى حتى نعلم و إذا كان الأمر كما ذكرناه فما ثم من دساها و لو كان ثم لكان هو الموصوف بالخيبة لأن الشيء لا يمكن أن ينجعل و لا يندس في غير قابل لاندساسه و إذا دسه فقد قبله ذلك القابل و إذا قبله فما تعدى ذلك المدسوس رتبته لأنه حل في موضعه و استقر في مكانه فما خاب من دسه الخيبة المفهومة من الحرمان فله العلم و ما له نيل الغرض فحرمانه عدم نيل غرضه فإن العلم ما هو محبوب لكل أحد و لو كان العلم محبوبا لكل أحد ما قال من قال إن العلم حجاب و الحجاب عن الخير تنفر منه الطباع و نحن إذا قلنا العلم حجاب فإنما نعني به يحجب عن الجهل فإن الوجود و العدم لا يجتمعان أعني النفي و الإثبات فما يخيب إلا أصحاب الأغراض و هم الأشقياء فمن لا غرض له لا خيبة له و أنت تعلم أنه إذا دس شيء في شيء إن لم يسعه فلا يندس فيه و إن اندس فقد وسعه و لا يسعه إلا ما هو له فلكل دار أهل و ما ثم في الآخرة إلا داران جنة و لها أهل و هم الموحدون بأي وجه و حدوا و هم الذين زكوا نفوسهم و الدار الثانية النار و لها أهل و هم الذين لم يوحدوا اللّٰه و هم الداسون أنفسهم فخابوا لا بالنظر إلى دارهم و لكن بالنظر إلى الدار الأخرى فكما أنه لم يتعد أحد هنا ما قدر له و ما أعطته نشأته الخاصة به كذلك لم يتعد هنالك ما قدر له موطنه الذي هو معين لذلك الذي قدر له فمن خلق للنعيم فسييسره لليسرى ﴿فَأَمّٰا مَنْ أَعْطىٰ وَ اتَّقىٰ وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرىٰ﴾ و من خلق للجحيم فسييسره للعسرى ﴿وَ أَمّٰا مَنْ بَخِلَ﴾ [الليل:8] بنفسه على ربه حيث طلب منه قلبه ليتخذه بيتا له بالإيمان أو التوحيد ﴿وَ اسْتَغْنىٰ﴾ [التغابن:6] بنفسه عن ربه في زعمه ﴿وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنىٰ﴾ [الليل:9] و هي أحكام الأسماء الحسنى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية