و موجب الفرح المناسبة و لما علمنا إن الإنسان مجموع ما عند اللّٰه علمنا أنه ما عند اللّٰه أمر إلا و له إليه نسبة فله منه مناسب فالعالم لا يرمي بشيء من الوجود و إنما يبرز إليه ما يناسبه منه و لا يغلب عليه حال من الأحوال بل هو مع كل حال بما يناسبه كما هو اللّٰه معنا أينما كنا : فإن ﴿أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:187] ذلك بل هم بهذا القدر جاهلون و عنه عمون و هذا هو الذي أداهم إلى ذم الدنيا و ما فيها و الزهد في الآخرة و في الكونين و في كل ما سوى اللّٰه و انتقدوا على من شغل نفسه بمسمى هذه كلها و جعلهم في ذلك ما حكي عن الأكابر في هذا النوع و حملوا ألفاظهم على غير وجه ما تعطيه الحقيقة و رأوا أن كل ما سوى اللّٰه حجاب عن اللّٰه فأرادوا هتك هذا الحجاب فلم يقدروا عليه إلا بالزهد فيه و سأبين هذا الفن في هذا الباب بيانا شافيا و كون الحق كل يوم في شأن الخلق و كون الجنة و هي دار القربة و محل الرؤية هي دار الشهوات و عموم اللذات و لو كانت حجابا لكان الزهد و الحجاب فيها و كذلك الدار الدنيا فأقول إن اللّٰه خلق أجناس الخلق و أنواعه و ما أبرز من أشخاصه لننظر فيه نظرا يوصلنا إلى العلم بخالقه فما خلقه لنزهد فيه فوجب علينا الانكباب عليه و المثابرة و المحبة فيه لأنه طريق النظر الموصل إلى الحق فمن زهد في الدليل فقد زهد في المدلول و ﴿خَسِرَ الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ الْخُسْرٰانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج:11] و جهل حكمة اللّٰه في العالم و جهل الحق و كان من الخاسرين الذين ﴿فَمٰا رَبِحَتْ تِجٰارَتُهُمْ وَ مٰا كٰانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة:16] فالرجل كل الرجل من ظهر بصورة الحق في عبودة محضة فأعطى كل ذي حق حقه و يبدأ بحق نفسه فإنها أقرب إليه من كل من توجه له عليه حق من المخلوقين و حق اللّٰه أحق بالقضاء و حق اللّٰه عليه إيصال كل حق إلى من يستحقه و ﴿لِمِثْلِ هٰذٰا فَلْيَعْمَلِ الْعٰامِلُونَ﴾ [الصافات:61] إذ و لا بد من إضافة العمل إلينا فإن اللّٰه أضاف الأعمال إلينا و عين لنا محالها و أمكنتها و أزمنتها و أحوالها و أمرنا بها وجوبا و ندبا و تخييرا كما أنه نهانا عزَّ وجلَّ عن أعمال معينة عين لنا محالها و أماكنها و أزمانها و أحوالها تحريما و تنزيها و جعل لذلك كله جزاء بحساب و بغير حساب من أمور ملذة و أمور مؤلمة دنيا و آخرة و خلقنا و خلق فينا من يطلب الجزاء الملذ و ينفر بالطبع عن الجزاء المؤلم و جعل لي و علي حقا في رعيتى إذ خلق لي نفسا ناطقة مدبرة عاقلة مفكرة مستعدة لقبول جميع ما كلفها به و هي محل خطابه المقصودة بتكليفه و امتثال أوامره و نواهيه و الوقوف عند حدوده و مراسمه حيث حد لها و رسم في حق الحق و حق نفسه و حق غيره فيطلبه أصحاب الحقوق بحقوقهم نطقا و حالا ظاهرا و باطنا فيطلبه السمع بحقه و البصر و اللسان و اليدان و البطن و الفرج و القدمان و القلب و العقل و الفكر و النفس النباتية و الحيوانية و الغصبية و الشهوانية و الحرص و الأمل و الخوف و الرجاء و الإسلام و الايمان و الإحسان و أمثال هؤلاء من عالمه المتصل به و أمره الحق أن لا يغفل عن أحد من هؤلاء أولا و يصرفهم في المواطن التي عين له الحق و جعل هذه القوي كلها متوجهة على هذه النفس الناطقة بطلب حقوقها و جعلها كلها ناطقة بتسبيح اللّٰه تعالى جعلا ذاتيا لا تنفك عنه و جعل هذه الحقوق التي توجهت لها على النفس الناطقة الحاكمة على الجماعة ثابتة الحق جزاء لما هي عليه من تسبيح اللّٰه بحمده دنيا و آخرة و ما منهم من يخالف أمر اللّٰه اختيارا و إنه إذا وقعت المخالفة منهم فجبرا يجبرهم على ذلك الوالي عليهم الذي أمروا بالسمع و الطاعة له فإن جار فلهم و عليه و إن عدل فلهم و له و لم يعط اللّٰه هؤلاء الرعايا الذين ذكرناهم المتصلين به قوة الامتناع مما يجبرهم على فعله بخلاف ما خرج عنهم ممن له أمر فيهم ثم إن اللّٰه نعت لهم الجزاء الحسي و أشهدهم إياه في الحياة الدنيا بضرب مثال من نعيم الحياة الدنيا و بالوعد بذلك في الآخرة و منهم من أشهده ذلك في الأخرى و هو في الحياة الدنيا مشاهدة عين فرأى ما وقع له برؤيته من الالتذاذ ما لا يقدر قدره و ما التذ به إلا من يطلب ذلك من رعيته فأخذ يسأله حقه من ذلك و أن لا يمنعه و في مثل هذا
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية