و إن أحببته بخلاف هذا *** أفدت و لم تكن ممن أفادا
[عبادة حقيقية جبرية و عبادة اختيارية]
و «قال ﷺ عن اللّٰه إن اللّٰه تعالى يقول ما تقرب المتقربون بأحب إلي من أداء ما افترضته عليهم و لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا و بصرا و يدا و مؤيدا» و قد ورد أتم من هذا فهذا الهجير إذا التزمه العبد أو من التزمه و تحقق به فتح عليه في معرفة نفسه و ربه و علم إن عبادة الفرائض عبادة حقيقية جبرية و عبادة النوافل عبادة اختيارية فيها رائحة ربوبية لأنها تواضع و التواضع تعمل لا يقوم إلا ممن له سهم في الرفعة و العبد ليس له نصيب في السيادة و لهذا ورد العبد من لا عبد له فلهذا نقص عن درجة الفرض النفل لأن العبد نقصه من العلم بالأمر على قدر ما اعتقده من النفل بل من أول قدم في النفل اتصف بالنقص في العلم بما هو الأمر عليه و هذا علم شريف يورث سعادة لمن قام به لا تشبهها سعادة و ذلك أن العبد هو عبد لذاته و لكن لا تعقل له عبودية ما لم يعقل له استناد إلى سيد و الرب رب لذاته و لكن لا يعقل له ربوبية ما لم يعقل له مربوب هو مستنده فكل واحد سند للآخر فالمعلوم أعطى العلم للعالم فصيره عالما و العلم صير المعلوم معلوما و من حيث ارتفاع هذا الذي قلناه فلا عالم و لا معلوم و لا رب و لا مربوب و ليس الأمر إلا عالم و معلوم و رب و مربوب و هو الذي عليه الوجود فليتكلم بما أعطاه الوجود و الشهود و ليترك وهميات الجائز العقلي فإن القول بذلك له موطن خاص في ذلك الموطن سلطانه فنقول «قد أخبر اللّٰه تعالى أن لله عبادا يحبهم و يحبونه» فجعل محبتهم وسطا بين محبتين منه لهم فأحبهم فوفقهم بهذه المحبة لاتباع رسوله فيما جاءهم به من الواجبات عليهم و الترغيب في إن يوجبوا على أنفسهم صورة ما أوجبه عليهم يسمى نافلة ثم أعلمهم أنهم إذا اتبعوه فيما جاء به أحبهم فهذا الحب الإلهي الثاني ما هو عين الأول فالأول حب عناية و الثاني حب جزاء و كرامة بوافد محبوب بالحب الأول فصار حب العبد ربه محفوظا بين حبين إلهيين كلما أراد أو هم أن يخرج عن هذا الوصف بالسلو وجد نفسه محصورا بين حبين إلهيين فلم يجد منفذا فبقي محفوظ العين بين حب عناية ما فيها من فطور و بين حب كرامة ما فيها استدراج و الحصر بين أمرين يوجب اضطرارا فذلك حب الفرض و هو العبد المضطر في عبوديته المجبور بما فرض اللّٰه عليه لينبهه أنه في قبضة الحق محصور لا انفكاك له و لا نفوذ كما رسمناه في الهامش و لما رأى أن الحق كلفه علم أنه لو لم يعلم الحق في العبد اقتدارا على إتيان ما كلفه به من الأعمال ما كلفه به فكان التكليف له معرفا بأن له مدخلا في الاقتدار على وجود الفعل الذي كلفه اللّٰه إيجاده و قرر ذلك عنده بما شرع له من طلب المعونة من اللّٰه على ذلك فزاده هذا قوة في علمه بأن له اقتدارا ثم نظر فيما أوجب عليه فرأى ذلك قليلا مما هو عليه من الاتساع فعلم عند ذلك أن الاتساع الذي أبقى له إنما أبقاه لما له من الاقتدار فأراد أن يبتليه ليرى ما يخرج منه في ذلك الاقتدار الذي أعطاه و ليس له فيما يخرج فيه ذلك الاقتدار إلا تلك السعة التي أبقى له كما قال ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهٰارِ سَبْحاً طَوِيلاً﴾ [المزمل:7]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية