و ليس يغار على عرضه *** فعبد الإله هنا الباهت
قال اللّٰه عز و جل ﴿كُلُّ شَيْءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ﴾ [القصص:88]
[أن عباد اللّٰه على قسمين]
اعلم أن عباد اللّٰه الذين أهلهم اللّٰه له و اختصهم من العباد على قسمين عباد يكونون له به و عباد يكونون له بأنفسهم و ما عدا هؤلاء فهم لأنفسهم بأنفسهم ليس لله منهم شيء فلا كلام لنا مع هؤلاء فإنهم جاهلون و نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فأما العباد الذين هم له تعالى بأنفسهم فهم الذين تحققوا بقوله تعالى ﴿وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] فهم العبيد الصم الشداد الأشداء الرحماء بينهم : و علامتهم الاتصاف بجميع الأحوال من فناء و بقاء و محو و إثبات و غيبة و حضور و جمع و فرق إلى ما يقبله الكون من الأحوال و كذلك من نعوتهم التي تنسب إلى المقامات المذكورة من توكل و زهد و ورع و معرفة و محبة و صبر و شكر و رضاء و تسليم إلى سائر المقامات المذكورة في الطريق فإن نفوسهم تقبل التغيير و التحويل من حال إلى حال و من مقام إلى مقام و لكن ذلك كله لله لما سمعوا دعاءه إياهم من هذه الأمور كلها فدخلوا عليه بها ذوقا و حالا لا علما و لا اعتقادا فإن سائر المؤمنين و العلماء علماء الرسوم يعلمون هذه الأمور كلها و لكن لا قدم لهم فيها فهؤلاء إذا تجلى لهم الحق لم يثبتوا لظهوره لأن المحدث إذا ظهر له القديم يمحو أثره إذ لا طاقة للمحدث على رؤية القديم و لهذا جاء الخبر الصحيح الإلهي بأن الحق قد يكون بصر العبد و سمعه حتى يثبت لظهور الحق في التجلي أو في الكلام أ لا ترى إلى موسى عليه السّلام لما كان الحق سمعه ثبت لكلام اللّٰه فكلمه فلما وقع التجلي و لم يكن الحق عند ذلك بصر موسى كما كان سمعه صعق و لم يثبت فلو كان بصره لثبت و أما العبيد الآخرون فهم له به فيثبتون في كل موطن مهول من حادث و قديم للقوة الإلهية السارية في ذواتهم فلا يبقى حال و لا مقام إلا و يظهرون به و فيه بطريق التحكم به و التصرف فيه فهم يملكون الأحوال و المقامات و لا يملكهم شيء إلا ما قررناه من ذلك الأمر الذي يملك الحق إذا كان الحق ملك الملك فبذلك القدر يكونون في ذواتهم فبه تعالى يسمعون و يبصرون و يأكلون و يشربون و ينامون و يقومون و له يسمعون و يبصرون و يأكلون و يشربون و ينامون و يقومون و «هو قول رسول اللّٰه ﷺ في بعض خطبه في الثناء على اللّٰه فإنما نحن به و له» فإذا اجتمع عبدان الواحد له بنفسه و الآخر له به أنكر من هو له بنفسه على من هو له به و لم ينكر من هو له به على من هو له بنفسه لأنه عبد محض خالص و الآخر حق محض خالص و الصورة الظاهرة منهما صورة خلق و الباطنة ممن هو لله بنفسه صورة خلق و الصورة الباطنة من الآخر صورة حق فهذا يتصرف بحق في حق لحق و الآخر يتصرف بخلق في خلق لحق و منهم من يتصرف في حق لحق بخلق أعني من الذين هم بأنفسهم فخرق العوائد لمن كان لله بنفسه و المنزلة لمن كان لله بالله فهؤلاء أصحاب كرامات و هؤلاء أهل منازل و أصحاب الكرامات معلومون عند اللّٰه معلومون عند الخلق و أهل المنازل معلومون عند اللّٰه و عند أبناء الجنس مجهولون عند الخلق إلا أن أهل خرق العوائد يبطن في حالهم المكر الإلهي و الاستدراج و أهل المنازل مخلصون من المكر لأنهم على بصيرة و بينة من ربهم فهم أهل وصول إلى عين الحقيقة جعلنا اللّٰه و إياكم من عبيد الاختصاص آمين بعزته
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية