يعني من كل عين من أعين الوجوه و أعين القلوب فإن القلوب ما ترى إلا بالبصر و أعين الوجوه لا ترى إلا بالبصر فالبصر حيث كان به يقع الإدراك فيسمى البصر في العقل عين البصيرة و يسمى في الظاهر بصر العين و العين في الظاهر محل للبصر و البصيرة في الباطن محل للعين الذي هو بصر في عين الوجه فاختلف الاسم عليه و ما اختلف هو في نفسه فكما لا تدركه العيون بأبصارها كذلك لا تدركه البصائر بأعينها «ورد في الخبر عن رسول اللّٰه ﷺ أن اللّٰه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار و إن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم» فاشتركنا في الطلب مع الملإ الأعلى و اختلفنا في الكيفية فمنا من يطلبه بفكره و الملأ الأعلى له العقل و ما له الفكر و منا من يطلبه به و ليس في الملإ الأعلى من يطلبه به لأن الكامل منا هو على الصورة الإلهية التي خلقه اللّٰه عليها و ليس الملك عليها فلهذا صح ممن هذه صفته أن يطلب اللّٰه به و من طلبه به وصل إليه فإنه لم يصل إليه غيره و إن الكامل منا له نافلة تزيد على فرائضه إذا تقرب العبد بها إلى ربه أحبه فإذا أحبه كان سمعه و بصره فإذا كان الحق بصر مثل هذا العبد رآه و أدركه ببصره لأن بصره الحق فما أدركه إلا به لا بنفسه و ما ثم ملك يتقرب إلى اللّٰه بنافلة بل هم في الفرائض ففرائضهم قد استغرقت أنفاسهم فلا نفل عندهم فليس لهم مقام ينتج لهم أن يكون الحق بصرهم حتى يدركوه به فهم عبيد اضطرار و نحن عبيد اضطرار من فرائضنا و عبيد اختيار من نوافلنا كما هو رب ذاتي من وجودنا و رب مشيئة من حكمه فينا فالربوبية الذاتية ضرورية لا يمكن رفعها و ربوبية المشيئة عينها الإمكان في الممكنات فيرجح بها ما شاء فمن لا مشيئة له لا ترجيح له كمن لا نافلة له لا يكون الحق بصره و إن أمكن خلاف هذا عقلا و لكن كلامنا في الواقع الذي أعطاه الكشف ما كلامنا في الجواز العقلي لأنه يستحيل عندنا أن ينسب الجوار إلى اللّٰه حتى يقال يجوز أن يغفر اللّٰه لك و يجوز أن لا يغفر اللّٰه لك و يجوز أن يخلق و يجوز أن لا يخلق هذا على اللّٰه محال لأنه عين الافتقار إلى المرجح لوقوع أحد الجائزين و ما ثم إلا اللّٰه و أصحاب هذا المذهب قد افتقروا إلى ما التزموه من هذا الحكم إلى إثبات الإرادة حتى يكون الحق يرجح بها و لا خفاء بما في هذا المذهب من الغلط فإنه يرجع الحق محكوما عليه بما هو زائد على ذاته و هو عين ذات أخرى و إن لم يقل فيها صاحب هذا المذهب إن تلك الذات الزائدة عين الحق و لا غير عينه فالذي نقول به إن هذه العين المخلوقة من كونها ممكنة تقبل الوجود و تقبل العدم فجائز إن تخلق فتوجد و جائز أن لا تخلق فلا توجد فإذا وجدت فبالمرجح و هو اللّٰه و إذا لم توجد فبالمرجح و هو اللّٰه يستقيم الكلام و يكون الأدب مع اللّٰه أتم بل هو الواجب أن يكون الأمر كما قلنا و أما احتجاجهم بقوله ﴿لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ﴾ [البقرة:20]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية