فالذي أخر عن تحصيله *** لم يكن إلا لأمر عرضا
[إذا كان صلاحية في القاضي موجودا صحت النسبة]
اعلم أن اللّٰه تعالى عرف أن نسبة القضاء إلى القاضي لا تصح حتى يقضي صلاحية و وجودا و لا يصح له هذا الاسم حتى يقضي و لا يعين القضاء إلا حال المقضي عليه فالقضاء أمر معقول لا وجود له إلا بالمقضي به و المقضي به يعينه حال المقضي عليه و بهذه الجملة يثبت اسم القاضي فلو ارتفعت هذه الجملة من الذهن ارتفع اسم القاضي و لو ارتفعت من الوجود ارتفع أيضا حقيقة فإن أطلق أطلق مجاز أو حقيقة المجاز أو التجوز أن ينسب الوقوع إلى ما ليس بواقع المثال في ذلك ادعى شخص على شخص دينا و أنكر المدعي عليه فعينت الدعوى إقامة البينة و هو المقضي به على صاحب الدعوى و عين الإنكار المقضي به على المنكر و هو اليمين إذا لم تقم البينة و حدث اسم القاضي حقيقة للحاكم باليمين على المدعي عليه إذا أنكر و طلب إقامة البينة من المدعي فالقضاء مجمل و المقضي به تفصيل ذلك المجمل و هو القدر لأن القدر توقيت فمن سأل فحاله أوجب عليه السؤال و السؤال طلب وقوع الإجابة فإنه قال ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ﴾ [البقرة:186] و الإجابة أثر في المجيب اقتضاه السؤال فمن سأل أثر و من أجاب تأثر فالحق آمر اقتضى له ذلك حال المأمور و الخلق داع اقتضاه حال المدعو لأن الداعي يرجو الإجابة لما تقرر عنده من حال المدعو و الآمر يرجو الامتثال من المأمور لما علمه من حال المأمور فحال المأمور جعل للآمر أن يكون منه الأمر و حال المدعو جعل للداعي أن يكون منه الدعاء و كل واحد فحاله اقتضى أن يكون آمر أو داعيا فالدعاء و الأمر نتيجة بين مقدمتين هما حال الداعي و المدعو و الآمر و المأمور فزالت الوحدة و بان الاشتراك فالتوحيد الحق إنما هو لمن أعطى العلم للعالم و الحكم للحاكم و القضاء للقاضي و ليس إلا عين الممكن و هو الخلق في حال عدمه و وجوده كما قررناه في الباب قبل هذا و الأحوال نسب عدمية و هي الموجبة لوجود الأحكام من الحكام في المحكوم به و عليه فالممكن مرجح في حال عدمه و وجوده فالترجيح أثر المرجح فيه و حال الترجيح أوجب للممكن أن يسأل و أن لا يسأل بحسب ما تقتضيه حاله لأنا ما عينا حالا من حال فبالحال يسأل فيؤثر الإجابة في المرجح و المرجح أعطى الحال في ترجيحه الذي أوجب السؤال المؤثر في المرجح الإجابة فلا يجيب المرجح إلا عن سؤال و لا سؤال إلا عن حال و لا حال إلا عن ترجيح و لا ترجيح إلا من مرجح و لا مرجح إلا من قابل للترجيح و هو الممكن و الممكن أصل ظهور هذه الأحكام كلها فهو المعطي جميع الأسماء و الأحكام و قبول المحكوم عليه بذلك و المسمى فما ظهر أمر إلا نتيجة عن مقدمتين فللحق التوحيد في وجود العين و له الإيجاد بالاشتراك منه و من القابل فله من عينه وجوب الوجود لنفسه فهو واحد و له الإيجاد من حيث نفسه و قبول الممكن فليس بواحد في الإيجاد و لو صح توحيد الإيجاد لوجد المحال كما وجد الممكن و إيجاد المحال محال فإذا قلت على ما قد تقرر من وجود حق و خلق فقل بوجود مؤثر و مؤثر فيه مؤثر فيمن أثر فيه ﴿وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] أي إلى هذا الحكم لا إلى العين
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية