﴿إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً﴾ [الانسان:3] هذا راجع للمخاطب المكلف فإن نوى الخير أثمر خيرا و إن نوى الشر أثمر شرا فما أتى عليه إلا من المحل من طيبه أو خبثه يقول اللّٰه تعالى ﴿وَ عَلَى اللّٰهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل:9] أي هذا أوجبته على نفسي كان اللّٰه يقول الذي يلزم جانب الحق منكم أن يبين لكم السبيل الموصل إلى سعادتكم و قد فعلت فإنكم لا تعرفونه إلا بإعلامي لكم به و تبييني
[طريقا السعادة و الشقاء و الإيجاب الإلهي]
و سبب ذلك أنه سبق في العلم إن طريق سعادة العباد إنما هو في سبب خاص و سبب شقائهم أيضا إنما هو في طريق خاص و ليس إلا العدول عن طريق السعادة و هو الايمان بالله و بما جاء من عند اللّٰه مما ألزمنا فيه الايمان به و لما كان العالم في حال جهل بما في علم اللّٰه من تعيين تلك الطريق تعين الإعلام به بصفة الكلام فلا بد من الرسول قال اللّٰه تعالى ﴿وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء:15] و لا نوجب على اللّٰه إلا ما أوجبه على نفسه و قد أوجب التعريف على نفسه بقوله تعالى ﴿وَ عَلَى اللّٰهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل:9] مثل قوله ﴿وَ كٰانَ حَقًّا عَلَيْنٰا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم:47] و قوله ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54] و على الحقيقة إنما وجب ذلك على النسبة لا على نفسه فإنه يتعالى أن يجب عليه من أجل حد الواجب الشرعي فكأنه لما تعلق العلم الإلهي أزلا بتعيين الطريق التي فيها سعادتنا و لم يكن للعلم بما هو علم صورة التبليغ و كان التبليغ من صفة الكلام تعين التبليغ على نسبة كونه متكلما بتعريف الطريق التي فيها سعادة العباد التي عينها العلم فأبان الكلام الإلهي بترجمته عن العلم ما عينه من ذلك فكان الوجوب على النسبة فإنها نسب مختلفة و كذلك سائر النسب الإلهية من إرادة و قدرة و غير ذلك
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية