﴿بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ﴾ [الرحمن:20] فحقيقة البرزخ أن لا يكون فيه برزخ و هو الذي يلتقي ما بينهما بذاته فإن التقى الواحد منهما بوجه غير الوجه الذي يلقى به الآخر فلا بد أن يكون بين الوجهين في نفسه برزخ يفرق بين الوجهين حتى لا يلتقيان فإذا ليس ببرزخ فإذا كان عين الوجه الذي يلتقي به أحد الأمرين الذي هو بينهما عين الوجه الذي يلتقي به الآخر فذلك هو البرزخ الحقيقي فيكون بذاته عن كل ما يلتقي به فيظهر الفصل بين الأشياء و الفاصل واحد العين و إذا علمت هذا علمت البرزخ ما هو و مثاله بياض كل أبيض هو في كل أبيض بذاته ما هو في أبيض ما بوجه منه و لا في أبيض آخر بوجه آخر بل هو بعينه في كل أبيض و قد تميز الأبيضان أحد هما عن الآخر و ما قابلهما البياض إلا بذاته فعين البياض واحد في الأمرين و الأمران ما هو كل واحد عين الآخر فهذا مثال البرزخ الحقيقي و كذلك الإنسانية في كل إنسان بذاتها الواحد هو البرزخ الحقيقي و ما ينقسم لا يكون واحدا و الواحد يقسم و لا يقسم أي و لا ينقسم في نفسه فإنه إن قبل القسمة في عينه فليس بواحد و إذا لم يكن واحدا لم يقابل كل شيء من الأمرين الذي يكون بينهما بذاته و الواحد معلوم أنه ثم واحد بلا شك و البرزخ يعلم و لا يدرك و يعقل و لا يشهد ثم إن الناس جعلوا كل شيء بين شيئين برزخا توسعا و إن كان ذلك الشيء المسمى عندهم برزخا جسما كبيرا أو صغيرا لكنه لما منع أن يلتقي الأمران اللذان هو بينهما سموه برزخا فالجوهران اللذان يتجاوران و لا ينقسم كل واحد منهما عقلا و لا حسا لا بد من برزخ يكون بينهما و تجاور الجوهرين تجاور أحيازهما و ليس بين أحيازهما حيز ثالث ليس فيه جوهر و بين الحيزين و الجوهرين برزخ معقول بلا شك هو المانع أن يكون عين كل جوهر عين الآخر و عين كل حيز عين الآخر فهو قد قابل كل جوهر و كل حيز بذاته من عرف هذا عرف حكم الشارع
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية