﴿وَ هُوَ اللَّطِيفُ﴾ [الأنعام:103] لأنه يلطف و يخفى في عين ظهوره فلا يعرف و لا يشهد كما يعرف نفسه و يشهدها ﴿اَلْخَبِيرُ﴾ [الأنعام:18] علم ذوق و ما قال لا تدركه الأنوار
فلو لا النور لم تشهده عين *** و لو لا العقل لم يعرفه كون
فبالنور الكوني و الإلهي كان ظهور الموجودات التي لم تزل ظاهرة له في حال عدمها كما هي لنا في حال وجودها فنحن ندركها عقلا في حال عدمها و ندركها عينا في حال وجودها و الحق يدركها عينا في الحالين فلو لا إن الممكن في حال عدمه على نور في نفسه ما قبل الوجود و لا تميز عن المحال فبنور إمكانه شاهده الحق و بنور وجوده شاهده الخلق فبين الحق و الخلق ما بين الشهودين فالحق نور في نور و الخلق نور في ظلمة في حال عدمه و أما في حال وجوده فهو نور على نور لأنه عين الدليل على ربه و ما يحتمل هذا الوصل أكثر من هذا فإن فيه مكرا خفيا لعدم المثل للحق و لا يتمكن أن يشهد و يعلم إلا بضرب مثل و لهذا جعل لنا مثل نوره في السموات و الأرض ﴿كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ الزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ﴾ [النور:35] ثم قال ﴿نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ﴾ [النور:35] من هذين النورين فيعلم المشبه و المشبه به ﴿مَنْ يَشٰاءُ وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ﴾ [النور:35] فجعله ضرب مثل للتوصيل و يجوز في ضرب الأمثال المحال الذي لا يمكن وقوعه فكما لا يكون المحال الوجود وجودا بالفرض كذلك لا يكون الخلق حقا بضرب المثل فما هو موجود بالفرض قد لا يصح أن يكون موجودا بالعين و لو كان عين المشبه ضرب المثل لما كان ضرب مثل إلا بوجه فلا يصح أن يكون هنا ما وقع به التشبيه و ضرب المثل موجودا إلا بالفرض فعلمنا بضرب هذا المثل إننا على غاية البعد منه تعالى في غاية القرب أيضا و لهذا قبلنا ضرب المثل فجمعنا بين البعد و القرب و تسمى لنا بالقريب و البعيد فكما هو ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] هو أقرب ﴿مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية