﴿إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] فلهذا الجمع جمع العبد بين يديه في الصلاة إذا وقف فكملت صلاة العبد بجمعه بين يديه و صورة هذا التكتيف أن يجعل اليمنى على اليسرى كما قررناه من أن اليمين لله فلها العلو على الشمال و صورتها أن يجعل باطن كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى و الرسغ و الساعد ليجمع بالإحاطة جميع اليد التي أمر اللّٰه عبده في الوضوء للصلاة أن يعمها بالطهارة فأخذ الرسغ و ما جاوره من الكف و الساعد فانظر إلى هذه الحكمة ما أجلاها لذي عينين ثم «نهى النبي ﷺ أن يرفع المصلي عينيه إلى السماء في صلاته فإن اللّٰه في قبلة العبد» و لا يقابله في وقوفه إلا الأفق فهو قبلته التي يستقبلها و يحمد له أن ينظر إلى موضع سجوده فإنه المنبه له على معرفة نفسه و عبوديته و لهذا جعل اللّٰه القربة في الصلاة في حال السجود و ليس الإنسان بمعصوم من الشيطان في شيء من صلاته إلا في السجود فإنه إذا سجد اعتزل عنه الشيطان يبكي على نفسه و يقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة و أمرت بالسجود فأبيت فلي النار
«الوصل الثامن»من خزائن الجود
و هو متعلق بهذا الوصل الذي فرغنا منه و هو أن العبد متأخر في نفس الأمر عن رتبة خالقه و قد حيل بينه و بين شهود ذلك بما جعل اللّٰه فيه من النسيان و السهو و الغفلة فيتخيل إن له قدما في السيادة و الحال تشهد بخلاف ذلك فهو بالحال محقق و في نفس الأمر على ما هو عليه صاحب الشهود و لا سعادة له في ذلك بل له الشقاء و هذا غاية الحرمان و لا يزال كذلك حتى ينكشف الغطاء فيحتد البصر فيرى الأمر على ما هو عليه فيؤمن به فما ينفعه إيمانه فإن الايمان لا يكون إلا بالخبر لا بالعيان فليس المؤمن إلا من يؤمن بالغيب و هو الخبر الذي جاء من عند اللّٰه فإن الخبر بما هو خبر يقبل الصدق و الكذب كالممكن يقبل الوجود و العدم و اعلم أنه ما أتى على أحد إلا من الغفلة عما يجب عليه من الحقوق التي أوجب الشرع عليه أداءها فمن أحضرها نصب عينيه و سعى جهده في أدائها ثم حالت بينه و بين أدائها موانع تقيم له العذر عند اللّٰه فقد وفى الأمر حقه و وفى اللّٰه بذمته و لا حرج عليه و لا جناح و لا خاطبه الحق بوجوب حق عليه مع ذلك المانع و الموانع على نوعين نوع يكون مع الحضور و نوع يكون مع عدم الحضور و هو الغفلة فأما النوع الذي يكون مع الحضور فينقسم قسمين قسم يرجع إلى النظر في ذلك الواجب هل هو واجب عليه أم لا فيجتهد جهد وسعه الذي كلفه اللّٰه في طلب الدليل على وجوب ذلك الأمر فلا يجده و هو من أهل الاجتهاد فلا يجب عليه إلا ما يقتضيه دليله و هو واجب في نفس الأمر عند اللّٰه و لكن أخطأ هذا المجتهد فهو مأجور عند اللّٰه بنص اللّٰه و نص رسوله ﷺ و ما كلفه اللّٰه إلا ذلك و قد أدى ما كلفه اللّٰه من الاجتهاد في طلب الدليل فلم يجده و ليس للمجتهد أن يقلد غيره في حكم لا يعرف دليله و لكن من اجتهاده إذا لم يعثر على دليل أن يسأل في ذلك الأمر أهل الاجتهاد الذين حكموا عليه بالوجوب و صورة سؤاله أن يقول لهم ما دليلكم على ما أوجبتموه في هذا الأمر و لا يقلدهم في الحكم فإذا عرفوه بدليلهم فإن كان ذلك الدليل مما قد حصل له في اجتهاده فقدح فيه فلا يجب عليه النظر فيه و لا الحكم به فإنه قد تركه وراءه و إن كان لم يعثر عليه فيما عثر من نظره فله عند ذلك النظر في دليل ذلك المجتهد المسئول هل هو دليل في نظر هذا السائل المجتهد أو ليس بدليل فإن أداه اجتهاده في إن ذلك هو دليل كما هو عند من اتخذه دليلا تعين عليه العمل به و إن قدح فيه بوجه لم يعثر ذلك الآخر عليه فإنه ليس له الأخذ به و تقليد ذلك المسئول في الحكم الذي حكم هذا الدليل عليه عند ذلك المجتهد فهذا مانع و القسم الآخر أن يعلم وجوب ذلك عليه من فعل أو ترك ثم يحول بينه و بين ذلك إن كان تركا اضطرار و إن كان أمرا فعدم استطاعة و ما ثم مانع آخر هذا مع الحضور و النوع الآخر من الموانع الغفلة و هي على نوعين غفلة عن كذا و غفلة في كذا فالغفلة عن كذا ترك ذلك بالكلية و هو غير مؤاخذ بذلك عند اللّٰه فإن اللّٰه قد رفع عن عباده رحمة بهم الخطاء و هو حال المجتهد الذي ذكرناه آنفا و النسيان و هو الغفلة و ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به فإن الكلام عمل فيؤاخذ به من حيث ما هو متلفظ به فإن كان ليس لذلك المتلفظ به عمل إلا عين التلفظ كالغيبة و النميمة فإنه يؤاخذ بذلك بحسب ما يؤدي إليه ذلك التلفظ و إن كان تلفظ به و له عمل زائد على التلفظ به فلم يعمل به فما عليه إلا عين ما تلفظ به فهو مسئول عند اللّٰه من حيث لسانه و لا يدخل الهم بالشيء في حديث النفس فإن الهم بالشيء له حكم آخر في الشرع خلاف حديث النفس فإن لذلك مواطن فإنه من يرد في الحرم المكي
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية