﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر:26] فلما طهرت فخارة الإنسان بطبخ ركن النار إياها و التأمت أجزاؤه و قويت و صلبت قصرها بالماء الذي هو عنصر الحياة فأعطاها الماء من رطوبته و ألان بذلك من صلابة الفخار ما ألان فسرت فيه الحياة و أمده الركن الهوائي بما فيه من الرطوبة و الحرارة ليقابل بحرارته برد الماء فامتنعا فتوفرت الرطوبة عليه فأحال جوهرة طينته إلى لحم و دم و عضلات و عروق و أعصاب و عظام و هذه كلها أمزجة مختلفة لاختلاف آثار طبيعة العناصر و استعدادات أجزاء هذه النشأة فلذلك اختلفت أعيان هذه النشأة الحيوانية فاختلفت أسماؤها لتتميز كل عين من غيرها و جعل غذاء هذه النشأة مما خلقت منه و الغذاء سبب في وجود النبات و به ينمو فعبر عن نموه و ظهور الزيادة فيه بقوله ﴿وَ اللّٰهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبٰاتاً﴾ [نوح:17] و معناه فنبتم نباتا فإن مصدر أنبت إنما هو إنبات فأضاف النبات إلى الشيء الذي ينمو يقول جعل غذاءكم منها أي مما تنبته فتنبتون به أي تنمي أجسامكم و تزيد فلما أكمل النشأة الجسمية النباتية الحيوانية و ظهر فيها جميع قوى الحيوان أعطاه الفكر من قوة النفس العملية و أعطاه ذلك من قوة النفس العلمية من الاسم الإلهي المدبر فإن الحيوان جميع ما يعمله من الصنائع و ما يعلمه ليس عن تدبير و لا روية بل هو مفطور على العلم بما يصدر عنه لا يعرف من أين حصل له ذلك الإتقان و الإحكام كالعناكب و النحل و الزنابير بخلاف الإنسان فإنه يعلم أنه ما استنبط أمرا من الأمور إلا عن فكر و روية و تدبير فيعرف من أين صدر هذا الأمر و سائر الحيوان يعلم الأمر و لا يعلم من أين صدر و بهذا القدر سمي إنسانا لا غير و هي حالة يشترك فيها جميع الناس إلا الإنسان الكامل فإنه زاد على الإنسان الحيواني في الدنيا بتصريفه الأسماء الإلهية التي أخذ قواها لما حذاه الحق عليها حين حذاه على العالم فجعل الإنسان الكامل خليفة عن الإنسان الكل الكبير الذي هو ظل اللّٰه في خلقه من خلقه فعن ذلك هو خليفة و لذلك هم خلفاء عن مستخلف واحد فهم ظلاله للأنوار الإلهية التي تقابل الإنسان الأصلي و تلك أنوار التجلي تختلف عليه من كل جانب فيظهر له ظلالات متعددة على قدر أعداد التجلي فلكل تجل فيه نور يعطي ظلا من صورة الإنسان في الوجود العنصري فيكون ذلك الظل خليفة فيوجد عنه الخلفاء خاصة و أما الإنسان الحيواني فليس ذلك أصله جملة واحدة و إنما حكمه حكم سائر الحيواني إلا أنه يتميز عن غيره من الحيوان بالفصل المقوم له كما يتميز الحيواني بعضه عن بعض بالفصول المقومة لكل واحد من الحيوان فإن الفرس ما هو الحمار من حيث فصله المقوم له و لا البغل و لا الطائر و لا السبع و لا الدودة فالإنسان الحيواني من جملة الحشرات فإذا كمل فهو الخليفة فاجتمعنا لمعان و افترقا لمعان
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية