فتراه دائما في حاله *** ظاهرا من غير إلى غير
فيتصرف النائب في هذه الأغيار الخيالية كما يريد و يشاء و لكن عن أمر وكيله لجهل الموكل بالصالح التي يعرفها الوكيل في التصريف فإن غلط و تصرف عن غفلة بغير أمر الوكيل فإن اللّٰه يحفظ عليه وقته لكون الوكالة كما قلنا دورية و لكن مع هذا الحفظ الذي ذكرناه لا تكون الصورة الواقعة عن تصريف الغفلة تبلغ من الدرجة مبلغ الصورة التي تكون عن تصريف الوكيل الذي صرف فيه هذا النائب لتتميز المراتب و يعلم الرفيع و الأرفع و اعلم أن هذه المرتبة التي هي هذه النيابة الخاصة لا تكون إلا بالموت و الموت على قسمين موت اضطراري و هو المشهور في العموم و العرف و هو الأجل المسمى الذي قيل فيه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون و الموت الآخر موت اختياري و هو موت في حياة دنياوية و هو الأجل المقضي في قوله تعالى ﴿ثُمَّ قَضىٰ أَجَلاً﴾ [الأنعام:2] و لما كان هذا الأجل المقضي معلوم الوقت عند اللّٰه مسمى عنده كان حكمه في نفسه حكم الأجل المسمى و هو قوله عز و جل ﴿كُلٌّ يَجْرِي إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [لقمان:29] يعني في حاله و لا يموت الإنسان في حياته إلا إذا صحت له هذه النيابة فهو ميت لا ميت كالمقتول في سبيل اللّٰه نقله اللّٰه إلى البرزخ لا عن موت فالشهيد مقتول لا ميت و لما كان هذا المعتنى به قد قتل نفسه في الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس رزقه اللّٰه حكم الشهادة فولاه لنيابة في البرزخ في حياته الدنيا فموته معنوي و قتله مخالفة نفسه و قد جئنا على ما ذكرناه أولا من ذكرنا هذه النيابات العشرة التي هي أمهات و أما ما تتضمنه كل نيابة من فعل كل ما لا يصلح إلا بنيابة فكثير لا يحصى و لله الحمد و المنة على ما أعطى و مما يتعلق بهذا الباب نور توحيد الذات
[في قوة الواحد أحدية كل موجود و معلوم و معدود]
و اعلم أنه لما كان في قوة الواحد أحدية كل موجود و معلوم و معدود ظهر جميع ما ظهر من العالم من مجموع و مفرد و في العالم من تقسيم عقلي في المعلومات بأحدية تخصه و أعطتها ذلك أحدية الذات الواهبة لوجود ما وجد و الواهبة علم ما علم من المعلومات فالأحدية ظاهرة في الآحاد خفية في المجموع فأحدية الذات في الآحاد و البسائط و أحدية المجموع في المركبات و هي المعبر عنها في الإلهيات بلسان الشرع بالأسماء و في العقول السليمة بالنسب و في العقول القاصرة النظر بالصفات و أبين ما يظهر فيه حكم الواحد في العدد لأنه بالواحد يظهر العدد و ينشأ على الترتيب الطبيعي من الاثنين إلى ما لا يتناهى و بزوال الواحد منه يزول فالمعلول لو لا علته ما ظهرت له عين و العالم لو لا اللّٰه ما وجد في عينه و أعطى سبحانه اسم الذات لنفسه و اسم النفس لما يحمل اسم النفس من التذكير و التأنيث كما قال تعالى ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يٰا حَسْرَتىٰ عَلىٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ﴾ [الزمر:56]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية