﴿وَ كَلِمَتُهُ أَلْقٰاهٰا إِلىٰ مَرْيَمَ﴾ [النساء:171] فلما نطق الإنسان بالحروف و هي أجزاء كل كلمة مقصودة للمتكلم الذي هو الإنسان المريد إيجاد تلك الكلمات ليفهم عنه بها ما في نفسه كما فهم عن اللّٰه بما ظهر من الموجودات ما في نفس الحق من إرادة وجود أعيان ما ظهر فلا بد في الكلام من تقديم و تأخير و ترتيب كما ذلك في الموجودات و هي أعيان الكلمات الإلهية تقديم و تأخير و ترتيب يظهر ذلك الدهر و الدهر هو اللّٰه بالنص الصريح و هو «قوله عليه السّلام لا تسبوا الدهر فإن اللّٰه هو الدهر» و فيه ظهر الترتيب و التقديم و التأخير في وجود العالم و سواء كان الكلام متلفظا به أو قائما بالنفس فإن كان في النفس فلا بد من وجود الحروف فيه في وجود الخيال و إن لم يكن ذلك و إلا فليس بكلام و هو قول العربي
إن الكلام لفي الفؤاد و إنما *** جعل اللسان على الفؤاد دليلا
أراد على ما في الفؤاد فإن لم يكن المترجم يضع في ترجمته الترجمة على ما في الفؤاد بحكم المطابقة و إلا فليس بدليل و قد وجدت الكثرة في الترجمة و التقدم و التأخر فلا بد أن يكون الترتيب في الكلام الذي في الفؤاد على هذه الصورة و ليس إلا الخيال خاصة و قال تعالى ﴿فَأَجِرْهُ حَتّٰى يَسْمَعَ كَلاٰمَ اللّٰهِ﴾ [التوبة:6] فأضاف الكلام إلى اللّٰه تعالى و جعله مسموعا للعربي المخاطب بحاسة سمعه فما أدركه إلا متقطعا متقدما متأخرا و من لم ينسب ذلك الكلام المسمى قرآنا إلى اللّٰه فقد جحد ما أنزله اللّٰه و جهل الحقائق فلا بد للنائب إذا تكلم أن يضاف إليه الكلام على ما قلناه و أن يكون هذا النائب يفصل بذاته بين كل حرفين و كلمتين لتوجد الثانية و تتعلق بها الأولى حتى ينتظم به ما يريد إظهاره للمصلحة التي يعلمها فدل بكلامه على ما في نفسه و ما كل من سمع بسمعه عقل جميع ما أراده المتكلم أو بعضه إلا من نور اللّٰه بصيرته و لهذا قد يكون حظ السامع من كلام المتكلم ترتيب حروفه من غير أن يعقل ما أراده المتكلم بما تكلم به و يظهر ذلك في السامع إذا كان المتكلم يكلمه بغير لحنه و لغته فإنه لا يفهم منه سوى ما يتعلق به سمعه من ترتيب حروفه فهو التعلق العام من كل سامع و لكن لا يعلم ما أريدت له هذه الكلمات كذلك العالم كله لا يعرف من الموجودات التي هي كلمات اللّٰه إلا وجود أعيانها خاصة و لا يعلم ما أريدت له هذه الموجودات إلا أهل الفهم عن اللّٰه و الفهم أمر زائد على كونه مسموعا فكما ينوب العبد الكامل الناطق عن اللّٰه في إيجاد ما يتكلم به بالفصل بين كلماته إذ لو لا وجوده هناك لم يصح وجود عين الكلمة و الحرف كذلك ينوب أيضا في الفهم في ذلك مناب الحق في قوله ﴿وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] فوصف نفسه بأنه يبلو ليعلم في المستأنف و هذه كلها نيابة أحدية لا نيابة غير الأحدية من حيث إن لها القيومية على أعيان الموجودات بما هي الموجودات عليه من الكسب إذ هو القائم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية