أي بينا له ﴿إِمّٰا شٰاكِراً﴾ [الانسان:3] فيعمل في السبيل بمقتضاه إن كان نهيا انتهى و إن كان أمرا فعل ﴿وَ إِمّٰا كَفُوراً﴾ [الانسان:3] يقول يستر على نفسه فيخادعون أنفسهم فإنه ما ضل أحد إلا على علم فإن بيان الحق ليس بعده بيان و لا فائدة للبيان إلا حصول العلم ثم يستره العالم به عن نفسه لغرض يقوم له فتقوم الحجة لله عليه فالإلهام إعلام إلهي فمن زكى نفسه بالتقوى فاتقى من الفجور ما ينبغي أن يتقى منه و أخذ منه ما ينبغي أن يؤخذ منه و من دس نفسه في موضع قيل له لا تدخل منه فقد خاب فمن أراد طريق العلم و السعادة فلا يضع ميزان الشرع من يده نفسا واحدا فإن اللّٰه بيده الميزان لا يضعه يخفض القسط و يرفعه و هو ما هو الوجود عليه من الأحوال فلو وضع الحق الميزان من يده لفنى العالم دفعة واحدة عند هذا الوضع و كذلك ينبغي للمكلف بل للإنسان أن لا يضع الميزان المشروع من يده ما دام مكلفا لأنه إن وضعه من يده نفسا واحدا فنى الشرع كله كما فنى العالم لو وضع الحق الميزان من يده فإن كل حركة في المكلف و من المكلف و سكون لميزان الشرع فيه حكم فلا يصح وضعه مع بقاء الشرع فهذا الميزان له من كونه مكلفا و أما الميزان الآخر الذي لا ينبغي أن يضعه الإنسان لا من كونه مكلفا بل هو بيده دنيا و آخرة فذلك هو ميزان العلم الذي ميزان الشرع حكم من أحكامه و هو مثل الميزان الذي بيد الحق فبه يشهد وزن الحق فنسبته إلى ميزان الحق نسبة شخص بيده ميزان و شخص آخر بيده مرآة فرأى في مرآته التي في يده صورة ذلك الميزان و الوزان و الوزن فعلم صورة الأمر من شهوده في وجوده و كان هذا الأمر من ورائه غيبا له لو لا المرآة ما شهده فأضاف ما رآه في مرآته إليه لكون مرآته ليس غيره فالغيب الذي يزن و الوزن و الميزان حضرة الحق و المرآة حضرة الإنسان فالوزن لله تعالى و الشهود لمن كانت نفسه مرآة فهو السعيد الصادق و إنما كشف اللّٰه هذا السر لمن كشفه ليري في مرآته صورة الخلق الإلهي و كيف صدور الأشياء و ظهورها في الوجود من عنده و هو قول أبي بكر الصديق رضي اللّٰه عنه ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّٰه قبله فيرى من أين صدر ذلك الشيء فيكون صاحب هذا الكشف خلاقا و هو الذي أراده الحق منه بهذا الكشف بل يعلم أنه خلاق من هذا الكشف و لم يزل كذلك و هو لا يشعر فأفاده هذا الكشف العلم بما هو الأمر عليه لا أنه بالكشف صار خلاقا فأمره اللّٰه عند ذلك أن يعطي كل شيء حقه من صورته كما أعطاه اللّٰه خلقه في صورته فلا تتوجه عليه مطالبة لمخلوق كما لا يتوجه على الحق تعالى مطالبة لمخلوق هذا ما أعطاه ذلك الكشف من الفائدة فإذا أقامه الحق تعالى في فعل من أفعاله المأمور بها أو المحجور عليه فيها نظر إلى ما لها من الحق قبله فوفى ذلك الفعل حقه فإن كان من الأمور المأمور بفعلها أعطاها حقها في نشأتها حتى تقوم سوية الخلق معدلة النشء فلم يتوجه لذلك الفعل حق على فاعله فلله الخلق و للعبد الحق فالحق ﴿أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية