و اعلم أن اللّٰه لما أعلمنا أنه هو الدهر ذكر لنا سبحانه أن له أياما من كونه دهرا و هي أيام اللّٰه فعين هذه الأيام أحكام أسمائه تعالى في العالم فلكل اسم أيام و هي زمان حكم ذلك الاسم و الكل أيام اللّٰه و تفاصيل الدهر بالحكم في العالم و هذه الأيام تتوالج و يدخل بعضها في بعض و يغشى بعضها بعضا و هو ما نراه في العالم من اختلاف الأحكام في الزمان الواحد فذلك لتوالجها و غشيانها و تقليبها و تكررها و لهذه الأيام الإلهية ليل و نهار فليلها غيب و هو ما غاب عنا منها و هو عين حكمها في الأرواح العلوية الكائنة فوق الطبيعة و الأرواح المهيمة و نهارها شهادة و هو عين حكمها في الأجسام الطبيعية إلى آخر جسم عنصري و هي ما تحت الطبيعة و سدفة هذا اليوم عين حكم هذه الأيام في الأرواح المسخرة التي تحت الطبيعة و هم عمار السموات و الأرض و ما بينهما و هم الصافون و التالون و المسبحون و هم على مقامات معلومة فمنهم الزاجرات و المرسلات و المقسمات و المنقيات و النازعات و الناشطات و المدبرات و غير ذلك مثل السائحين و العارجين و الكاتبين و الراقبين كل هؤلاء تحت حكم أيام اللّٰه من حيث سدف هذه الأيام فعن غشيان نهار هذه الأيام ليلها وجدت الأرواح التي فوق الطبيعة و عن غشيان ليل هذه الأيام نهارها وجدت الأجسام التي دون الطبيعة و عن توالج ليلها بنهارها فليس بنهار خالص لحكم الليل و مشاركته و ليس بليل خالص لحكم النهار و مشاركته و هذا الحال لهذه الأيام تسمى سدفا وجد عن هذا التوالج الأرواح التي دون الطبيعة و لما قسم اللّٰه أيامه هذه الأقسام جعل ليلها ثلاثة أقسام و نهارها ثلاثة أقسام فهو سبحانه ينزل لعباده في الثلث الأخير من ليل أيامه و هو تجليه فيه للأرواح الطبيعية المدبرة للأجسام العنصرية و الثلث الوسط يتجلى فيه للأرواح المسخرة و الثلث الأول يتجلى فيه للأرواح المهيمنة و قسم نهار هذه الأيام إلى ثلاثة أقسام يتجلى في كل قسم إلى عالم الأجسام من أجل ما هي مسبحة بحمد اللّٰه دائما ففي الثلث الأول يتجلى للأجسام اللطيفة التي لا تدركها الأبصار و في الثلث الوسط يتجلى للأجسام الشفافة و في الثلث الأخير يتجلى للأجسام الكثيفة و لو لا هذا التجلي ما صحت لهم المعرفة بمن يسبحونه فإن المسبح لا بد أن يكون له معرفة بمن يسبحه و المعرفة بالله لا يصح أن تكون عن فكر و لا عن خبر و إنما تكون عن تجليه لكل مسبح فمنهم العالم بذلك و منهم من لا يعلم ذلك و لا يعلم أنه سبح عن معرفة تجل و ذلك ليس إلا لبعض الثقلين و ما عدا هذين فهم عارفون بمن تجلى لهم مسبحون له على الشهود أجساما عموما و أرواحا خصوصا فكل من ليس له قوة التوصيل لما يشهده فعنده العلم بمن تجلى له و كذلك من له قوة التوصيل غير أنه أمين لا يتكلم إلا عن أمر إلهي فذلك عنده العلم بمن تجلى له و من علم إن عنده قوة التوصيل و هو نمام ينم بما شهده و سمعه و ليس بأمين ينتظر أمر صاحب الأمانة فإنه لا يعلمه الحق في تجليه أنه هو و هم المنكرون له إذا تجلى لهم في الدنيا و الآخرة جعلنا اللّٰه من الأمناء العالمين بمن تجلى لهم فإن قلت فالليل و النهار في اليوم ما يحدثه إلا طلوع الشمس و غروبها فما الشمس التي أظهرت الليل و النهار في أيام اللّٰه المسمى دهرا قلنا اسمه النور الذي ذكر أنه نور السموات و الأرض فله الطلوع و الغروب علينا من خلف حجاب الإنسان المثلى الذي ذكرنا أنه ظله المخلوق على صورته الأزلي الحكم الذي نفى عنه المثلية و أثبت عين وجوده في قوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية