﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ وَ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ يَهْدِيَكَ صِرٰاطاً مُسْتَقِيماً وَ يَنْصُرَكَ اللّٰهُ نَصْراً عَزِيزاً﴾ فقام حتى تورمت قدماه شكرا على هذه النعمة و هكذا أخبر لما قيل له في ذلك فقال أ فلا أكون عبدا شكورا فأتى بفعول و هو بنية المبالغة فكثر منه الشكر لما كثرت النعم فطلبت كل نعمة منه الشكر لله عليها و لا يخطر لصاحب هذا المقام في شكره طلب الزيادة لأنه فعل يطلب الماضي و الواقع فكانت الزيادة من النعم للشاكر فضلا من اللّٰه و لهذا سماها زيادة يطلبها الشكر لا الشاكر فيجني ثمرته الشاكر فهي من الشكر جزاء للشاكر حيث أوجد عين الشكر في الوجود و أقام نشأته صورة متجسدة تسبح اللّٰه و تذكره فطلبت من اللّٰه تعالى أن يزيد هذا الشاكر نعمة إلى نعمته حيث كان سببا في إيجاد عين الشكر فسمع اللّٰه منه و أجابه لما سأل فسأله أن يعرف الشاكرين بذلك حتى يعلموا أن الشكر قد أدى عند اللّٰه ما وجب عليه من حق الشاكر فقال اللّٰه لعباده ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ [ابراهيم:7] فأعلمنا بالزيادة فالعارف بالله يشكر اللّٰه ليكون خلاقا لصورة الشكر ليكثر المسبحون لله القائمون في عبادته فإذا علم اللّٰه هذا منه زاده في النعم الظاهرة و الباطنة ليدوم له نعت الخلق للشكر فلا يزال الأمر له دائما دنيا و آخرة و أعظم نشأة يظهر بها الشكر في الوجود نشأة الشكر على نعمة الصورة الكمالية و نشأة الشكر على نعمة التسخير و المزيد من اللّٰه للشاكر على قدر صورة الشكر فاعلم كيف تشكر و اشتغل بالأهم فالأهم من ذلك فإذا طلب الشاكر بشكره المزيد لما وعد اللّٰه به لم يعطه اللّٰه من نعمة المزيد إلا على قدر طلبه و صورته من التخليط و السلامة فيكون مزيده مغفرة و عفوا و تجاوزا لا غير و بالجملة فينزل عن درجة الأول الذي أعطى بسؤال الشكر فإن نشأة الشكر بريئة من التخليط في عينها و إن كان الشاكر مخلطا فلا أثر لتخليطه في صورة الشكر و له أثر في المزيد إذا شكر لتحصيل المزيد فتحصل المفاضلة بين الشاكرين على ما قررناه من الطالبين المزيد و غير الطالبين و المشتغلين بالأهم و غير المشتغلين به فهذه طرق لله مختلفة كما قال ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً﴾ [المائدة:48]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية