[إن حياة الأجسام كلها من حياة الأرواح المدبرة لها]
و اعلم يا ولي نور اللّٰه بصيرتك بعد أن تقرر عندك إن حياة الأجسام كلها من حياة الأرواح المدبرة لها و بانفصالها عنها يكون الموت فيزول نظامهما إذ القوي الماسكة لها زالت بزوال الروح المدبر الذي وكله اللّٰه بتدبيرها
[إن الحياة حياتان]
فاعلم إن الحياة في جميع الأشياء حياتان حياة عن سبب و هي الحياة التي ذكرناها و نسبناها إلى الأرواح و حياة أخرى ذاتية للأجسام كلها كحياة الأرواح للأرواح غير إن حياة الأرواح يظهر لها أثر في الأجسام المدبرة بانتشار ضوئها فيها و ظهور قواها التي ذكرناها و حياة الأجسام الذاتية لها ليست كذلك فإن الأجسام ما خلقت مدبرة فبحياتها الذاتية التي لا يجوز زوالها عنها فإنها صفة نفسية لها بها تسبح ربها دائما سواء كانت أرواحها فيها أو لم تكن و ما تعطيها أرواحها إلا هيأة أخرى عرضية في التسبيح بوجودها خاصة و إذا فارقتها الروح فارقها ذلك الذكر الخاص و هو الكلام المتعارف بيننا المحسوس تسبيحا كان أو غيره فيدرك المكاشف الحياة الذاتية التي في الأجسام كلها و إذا اتفق على أي جسم كان أمر يخرجه عن نظامه مثل كسر آنية أو كسر حجر أو قطع شجر فهو مثل قطع يد إنسان أو رجله يزول عنه حياة الروح المدبر له و يبقى عليه حياته الذاتية له فإنه لكل صورة في العالم روح مدبرة و حياة ذاتية تزول الروح بزوال تلك الصورة كالقتيل و تزول الصورة بزوال ذلك الروح كالميت الذي مات على فراشه و لم تضرب عنقه و الحياة الذاتية لكل جوهر فيه غير زائلة و بتلك الحياة الذاتية التي أخذ اللّٰه بأبصار بعض الخلق عنها بها تشهد الجلود يوم القيامة على الناس و الألسنة و الأيدي و الأرجل و بها تنطق فخذ الرجل في آخر الزمان فتخبر صاحبها بما فعل أهله و بها تنطق الشجرة في آخر الزمان إذا اختفى خلفها اليهود حين يطلبهم المسلمون للقتل فتقول للمسلم إذا رأته يطلب اليهودي يا مسلم هذا يهودي خلفي فاقتله إلا شجرة الغرقد فإنها تستر اليهودي إذا لاذ بها فلعنها رسول اللّٰه ﷺ و لا يقال إن الشجرة إنما رأفت مع من استند إليها كما يراه أصحاب الخلق الكريم فلتعلم إن حق اللّٰه أحق بالقضاء و تصريف الخلق الكريم مع اللّٰه هو الأوجب على كل مؤمن أ لا تراه يقول ﴿وَ لاٰ تَأْخُذْكُمْ بِهِمٰا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّٰهِ﴾ [النور:2]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية