﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ﴾ [النور:35] و هي الكوة ﴿فِيهٰا مِصْبٰاحٌ﴾ [النور:35] و هو النور إلى آخر التشبيه فمن فهم معنى هذه الآية علم حفظ اللّٰه العالم فهذه الآية من أسرار المعرفة بالله تعالى في ارتباط الإله بالمألوه و الرب بالمربوب فإن المربوب و المألوه لو لم يتول اللّٰه حفظه دائما لفنى من حينه إذ لم يكن له حافظ يحفظه و يحفظ عليه بقاءه فلو احتجب عن العالم في الغيب انعدم العالم فمن هنا الاسم الظاهر حاكم أبدا وجود أو الاسم الباطن علما و معرفة فبالاسم الظاهر أبقى العالم و بالاسم الباطن عرفناه و بالاسم النور شهدناه فإذا كانت حياة الإنسان الذي هو مقصودنا في هذا الباب لأنه باب الابتلاء و هو يعم المكلفين من الثقلين فإنه كل ما سوى الثقلين ليسوا مثلنا في حكم العبادة و التكليف فكلامي على الإنسان وحده من حيث حياته كلامي على كل ما سوى اللّٰه و كلامي ابتلائه كلامي على كل مكلف من الثقلين قال تعالى ﴿وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ﴾ [هود:7] على هنا بمعنى في أي كان العرش في الماء كما إن الإنسان في الماء أي منه تكون فإن الماء أصل الموجودات كلها و هو عرش الحياة الإلهية و من الماء خلق اللّٰه كل شيء حي و كل ما سوى اللّٰه حي فإن كل ما سوى اللّٰه مسبح بحمد اللّٰه و لا يكون التسبيح إلا من حي و قد وردت الأخبار بحياة كل رطب و يابس و جماد و نبات و أرض و سماء و هذه هي التي وقع فيها الخلاف بين أهل الكشف و غيرهم ممن ليس له كشف و بين أهل الايمان و بين من لا يقول بالشرائع أو من يتأول الشرائع على غير ما جاءت له فيقولون إنه تسبيح حال و أما ما أدرك الحس حياته فلا خلاف في حياته و إنما الخلاف في سبب حياته ما هو و في تسبيحه بحمد ربه لما ذا يرجع إذ لا يكون التسبيح إلا من حي عاقل يعقل ذلك و ما عدا الإنسان و الجن من الحيوان ليس بعاقل عند المخالف بخلاف ما نعتقد نحن و أهل الكشف و الايمان الصحيح و أعني بالعقل هنا العلم فالعرش هنا عبارة عن الملك و كان حرف وجودي فمعناه إن الملك موجود في الماء أي الماء أصل ظهور عينه فهو للملك كالهيولى ظهر فيه صور العالم الذي هو ملك اللّٰه و العالم محصور في أعيان و نسب فالأعيان وجودية و النسب معقولة عدمية و هذا هو كل ما سوى اللّٰه و لما كان الماء أصل الحياة و كل شيء حي و النسب تابعة له قرن بين العرش المجعول على الماء و بين خلقه الموت و الحياة في الابتلاء فقال ﴿وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ لِيَبْلُوَكُمْ﴾ [هود:7]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية