[أن الصراط هو صراط الهدى]
و اعلم أن الصراط الذي إذا سلكت عليه و ثبت اللّٰه عليه أقدامك حتى أوصلك إلى الجنة هو صراط الهدى الذي أنشأته لنفسك في دار الدنيا من الأعمال الصالحة الظاهرة و الباطنة فهو في هذه الدار بحكم المعنى لا يشاهد له صورة حسية فيمد لك يوم القيامة جسرا محسوسا على متن جهنم أوله في الموقف و آخره على باب الجنة تعرف عند ما تشاهده أنه صنعتك و بناؤك و تعلم أنه قد كان في الدنيا ممدودا جسرا على متن جهنم طبيعتك في طولك و عرضك و عمقك و ثلاث شعب إذ كان جسمك ظل حقيقتك و هو ظل غير ظليل لا يغنيها من اللهب بل هو الذي يقودها إلى لهب الجهالة و يضرم فيها نارها فالإنسان الكامل يعجل بقيامته في الموطن الذي تنفعه قيامته فيه و تقبل فيه توبته و هو موطن الدنيا فإن قيامة الدار الأخرى لا ينفع فيها عمل لأنه لم يكلف فيها بعمل فإنه موطن جزاء لما سلف في الدار الدنيا و هو قوله تعالى ﴿ثُمَّ هَدىٰ﴾ [ طه:50] أي بين ما يقتضيه المواطن ليكون الإنسان المخاطب في كل موطن بما قرن به من العمل بالذي يرضيه و هو ممزوج بما ينافيه مثل خلق الأجسام الطبيعية سواء فإن الحرارة تنافر البرودة و إن الرطوبة تنافر اليبوسة و أراد الحق أن يجمع الكل على ما هم عليه من التضاد في جسم واحد فضم الحرارة إلى اليبوسة فخلق منهما المرة الصفراء ثم زوج بين الحرارة و الرطوبة فكان لهذا المزاج الدم و جعله مجاورا لهما جعل الرطوبة التي في الدم مما يلي اليبوسة التي في الصفراء بحكم المجاورة حتى تقاومها في الفعل فلا تترك كل واحدة منهما يظهر سلطانها في المزاج الإنساني الحيواني فلو جعل الحرارة الدموية تليها فلا بد إن كان يليها من الصفراء إما الحرارة أو اليبوسة فإن وليتها اليبوسة و هي المنفعلة عن الحرارة فكان اليبس يتقوى سلطانه في الجسم فيؤدي إلى دخول المرض عليه فيحول المرض بينه و بين ما كلفه رب الجسم أن يشتغل به من العلوم و اقتنائها و الأعمال الموصلة إلى السعادة و كذلك لو جاورتها حرارة الصفراء لزادت في كمية الصفراء فيعتل فلهذا كانت الرطوبة مما يلي الصفراء ثم إنه تعالى زوج بين البرودة و الرطوبة فكان من هذا الاختلاط البلغم فجعل الرطوبة البلغمية مما يلي الحرارة الدموية و لو لم يكن كذلك لكان كما ذكرناه أولا من دخول العلة و السقم للزيادة في الكمية في ذلك الخلط ثم زوج بين البرودة و اليبوسة فكان من ذلك المزج المرة السوداء فجعل اليبوسة من السوداء مما يلي الرطوبة من البلغم و لم يجعل البرودة من السوداء تليها لئلا تزيد في كمية رطوبة البلغم فإن الرطوبة منفعلة عن البرودة فإذا حصلت بين برودة البلغم و برودة السوداء تضاعفت و زادت كمية البلغم فدخلت العلة و المرض على الجسم فإنها قابلة للانفعال فانظر لحكمة اللّٰه في هذه النشأة و هذا لبقاء الصحة على هذا الجسم الذي هو مركب هذه اللطيفة ليوصلها إلى ما دعاها إليه ربها عزَّ وجلَّ فهذا المركب الجسمي يستولي عليه الروح الإلهي فإذا تغشاه حمل فينتج أعمالا إما صالحة و هي المخلقة و إما فاسدة و هي غير المخلقة و ظهرت هذه الأعمال في صور مراكب فإن كانت صالحة صعدت به إلى عليين قال تعالى ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:10] أي الأرواح الطيبة فإنها كلمات اللّٰه مطهرة قال تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية