كم من لبيب هالك *** في بحره وسط اللجج
و ما على نفس ترى *** فيه الهلاك من حرج
[إن عالم الشهادة عبارة عن كل موجود سوى اللّٰه تعالى]
اعلم أن الغيب ظرف لعالم الشهادة و عالم الشهادة هنا كل موجود سوى اللّٰه تعالى مما وجد و لم يوجد أو وجد ثم رد إلى الغيب كالصور و الأعراض و هو مشهود لله تعالى و لهذا قلنا إنه عالم الشهادة و لا يزال الحق سبحانه يخرج العالم من الغيب شيئا بعد شيء إلى ما لا يتناهى عددا من أشخاص الأجناس و الأنواع و منها ما يرده إلى غيبة و منها ما لا يرده أبدا فالذي لا يرده أبدا إلى الغيب كل ذات قائمة بنفسها و ليس إلا الجواهر خاصة و كل ما عدا الجواهر من الأجسام و الأعراض الكونية و اللونية فإنها ترد إلى الغيب و يبرز أمثالها و اللّٰه يخرجها من الغيب إلى شهادتها أنفسها فهو ﴿عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ﴾ [الأنعام:73] و الأشياء في الغيب لا كمية لها إذ الكمية تقتضي الحصر فيقال كم كذا و كذا و هذا لا ينطلق عليها في الغيب فإنها غير متناهية فكم و كيف و الأين و الزمان و الوضع و الإضافة و العرض و أن يفعل و أن ينفعل كل ذلك نسب لا أعيان لها فيظهر حكمها بظهور الجوهر لنفسه إذا أبرزه الحق من غيبه فإذا ظهرت أعين الجواهر تبعتها هذه النسب فقيل كم عين ظهرت فقيل عشرة أو أكثر أو أقل فقيل كيف هي فقيل مؤلفة فعرض لها الجسمية فصحت الكيفية بالجسمية و حلول الكون و اللون فقيل أين فقيل في الحيز أو المكان فقيل متى فقيل حين كان كذا في صورة كذا فقيل ما لسانه فقيل أعجمي أو عربي فقيل ما دينه فقيل شريعة كذا فقيل هل ظهر منه ما يكون من ظهور آباء كما ظهر هو من غيره فقيل هو ابن فلان قيل ما فعل قيل أكل قيل ما انفعل عن أكله قيل شبع فهذه جملة النسب التي تعرض للجواهر إذا أخرجها اللّٰه من غيبه فليس في الوجود المحدث إلا أعيان الجوهر و النسب التي تتبعه فكان الغيب بما فيه كأنه يحوي على صورة مطابقة لعالمه إذ كان علمه بنفسه علمه بالعالم فبرز العالم على صورة العالم من كونه عالما به فصورته من الجوهر ذاته و من الكم عدد أسمائه و من الكيف قوله
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية