﴿وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] و غضبه شيء فقد وسعته الرحمة و حصرته و حكمت عليه فلا يتصرف إلا بحكمها فترسله إذا شاءت و فيه رائحة الرحمة من أجل المنزل و تمسكه إذا شاءت و لهذا ليس في البسملة شيء من أسماء القهر ظاهرا بل هو اللّٰه الرحمن الرحيم و إن كان يتضمن الاسم اللّٰه القهر فكذلك يتضمن الرحمة فما فيه من أسماء القهر و الغلبة و الشدة يقابله بما فيه من الرحمة و المغفرة و العفو و الصفح وزنا بوزن في الاسم اللّٰه من البسملة و يبقى لنا فضل زائد على ما قابلنا به الأسماء في الاسم اللّٰه و هو قوله ﴿اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:1] فأظهر عين الرحمن و عين الرحيم خارجا زائدا على ما في الاسم اللّٰه منه فزاد في الوزن فرجح فكان اللّٰه عرفنا بما يحكمه في خلقه و أن الرحمة بما هي في الاسم اللّٰه الجامع من البسملة هي رحمته بالبواطن و بما هي ظاهرة في ﴿اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:1] هي رحمته بالظواهر فعمت فعظم الرجاء للجميع و ما من سورة من سور القرآن إلا و البسملة في أولها فأولناها إنها إعلام من اللّٰه بالمال إلى الرحمة فإنه جعلها ثلاثا الرحمة المبطونة في الاسم اللّٰه و الرحمن الرحيم و لم يجعل للقهر سوى المبطون في الاسم اللّٰه فلا عين له موجودة كالكناية في الطلاق ينوي فيه الإنسان بخلاف الصريح فافهم و أما سورة التوبة فاختلف الناس فيها هل هي سورة مستقلة كسائر سور القرآن أو هل هي و سورة الأنفال سورة واحدة فإنهم كانوا لا يعرفون كمال السورة إلا بالفصل بالبسملة و لم يجيء هنا فدل أنها من سورة الأنفال و هو الأوجه و إن كان لتركها وجه و هو عدم المناسبة بين الرحمة و التبري و لكن ما لهذا الوجه تلك القوة بل هو وجه ضعيف و سبب ضعفه أنه في الاسم اللّٰه المنعوت بجميع الأسماء ما هو في اسم خاص يقتضي المؤاخذة و البراءة إنما هي من الشريك و إذا تبرأ من المشرك فلكونه مشركا لأن متعلقة العدم فإن الخالق لا يتبرأ من المخلوق و لو تبرأ منه من كان يحفظ عليه وجوده و لا وجود للشريك فالشريك معدوم فلا شركة في نفس الأمر فإذا صحت البراءة من الشريك فهي صفة تنزيه و تبرئة لله من الشريك و للرسول من اعتقاد الجهل و وجه آخر في ضعف هذا التأويل الذي ذكرناه و هو أن البسملة موجودة في كل سورة أولها ويل و أين الرحمة من الويل و لهذا كان للقراء في مثل هذه السورة مذهب مستحسن فيمن يثبت البسملة من القراء و فيمن يتركها كقراءة حمزة و فيمن يخير فيها كقراءة ورش و البسملة إثباتها عنده أرجح فأثبتناها عند قراءتنا بحرف حمزة في هذين الموضعين لما فيهما من قبح الوصل بالقراءة و هو أن يقول ﴿وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّٰهِ﴾ [الإنفطار:19]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية