﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16] و مع هذا القرب لا يدرك و لا يعرف إلا تقليدا و لو لا إخباره ما دل عليه عقل و هكذا جميع ما لا يتناهى من المعلومات التي بعلمها هي كلها في الإنسان و في العالم بهذه المثابة من القرب و هو لا يعلم ما فيه حتى يكشف له عنه مع الآنات و لا يصح فيه الكشف دفعة واحدة لأنه يقتضي الحصر و قد قلنا إنه لا يتناهى فليس يعلم الأشياء بعد شيء إلى ما لا يتناهى و هذا من أعجب الأسرار الإلهية أن يدخل في وجود العبد ما لا يتناهى كما دخل في علم الحق ما لا يتناهى من المعلومات و علمه عين ذاته و الفرق بين تعلق علم الحق بما لا يتناهى و بين أن يودع الحق في قلب العبد ما لا يتناهى إن الحق يعلم ما في نفسه و ما في نفس عبده تعيينا و تفصيلا و العبد لا يعلم ذلك إلا مجملا و ليس في علم الحق بالأشياء إجمال مع علمه بالإجمال من حيث إن الإجمال معلوم للعبد من نفسه و من غيره فكل ما يعلمه الإنسان دائما و كل موجود فإنما هو تذكر على الحقيقة و تجديد ما نسيه و يحكم هذا المنزل على إن العبد أقامه الحق في وقت ما في مقام تعلق علمه بما لا يتناهى و ليس بمحال عندنا و إنما المحال دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تعلق العلم به ثم إن الخلق أنساهم اللّٰه ذلك كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق مع كونه قد وقع و عرفنا ذلك بالأخبار الإلهي فعلم الإنسان دائما إنما هو تذكر فمنا من إذا ذكر تذكر أنه قد كان علم ذلك المعلوم و نسيه كذي النون المصري و منا من لا يتذكر ذلك مع إيمانه به أنه قد كان يشهد بذلك و يكون في حقه ابتداء علم و لو لا أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه و لكن لا شعور له بذلك و لا يعلمه إلا من نور اللّٰه بصيرته و هو مخصوص بمن حاله الخشية مع الأنفاس و هو مقام عزيز لأنه لا يكون إلا لمن يستصحبه التجلي دائما و يتضمن هذا المنزل مسائل ذي النون المشهورة و هي إيجاد المحال العقلي بالنسب الإلهية و يتضمن علم المفاضلة بين المتنافرين من جميع الوجوه و يتضمن أن كل جوهر في العالم يجمع كل حقيقة في العالم كما إن كل اسم إلهي مسمى بجميع الأسماء الإلهية و ذلك قوله تعالى ﴿قُلِ ادْعُوا اللّٰهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ﴾ [الإسراء:110]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية