﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ إِلاّٰ آتِي الرَّحْمٰنِ عَبْداً﴾ [مريم:93] و إذا أضفت الخلق بعضه إلى بعض فهو بين حر و عبد فأما حظ العبد من الأخلاق فاعلم إن السيد على الإطلاق قد أوجب و حرم فأمر و نهى و قد أباح فخير و قد رجح فندب و كره و ما ثم قسم سادس فكل عمل يتعلق به الوجوب من أمر من السيد الذي هو اللّٰه بعمل أو ندب إلى عمل فإن العمل به من مكارم الأخلاق مع اللّٰه و مع نفسك إن كان واجبا و إن كان مندوبا إليه فهو من مكارم الأخلاق مع نفسك فإن تضمن منفعة الغير ذلك العمل كان أيضا من مكارم الأخلاق مع غيرك و ترك هذا العمل إذا كان على هذا الحكم من سفساف الأخلاق و كل عمل يتعلق به التحريم أو الكراهة فالتقسيم فيه كالتقسيم في الواجب و المندوب إليه على ذلك الحد فترك ذلك العمل لاتصافه بالتحريم أو الكراهة من مكارم الأخلاق و عمله من سفساف الأخلاق و ترك العمل فيه عمل روحاني لا جسماني لأنه ترك لا وجود له في العين و أما العمل الذي تعلق به التخيير و هو المباح فعمله من مكارم الأخلاق مع نفسك دنيا لا آخرة فإن اقترن مع العمل كونك عملته لكونه مباحا مشروعا كان من مكارم الأخلاق مع اللّٰه و مع نفسك دنيا و آخرة و كذلك حكمه في ترك المباح على هذا التقسيم سواء فجميع الأقسام تتعلق بالعبد و قسم المباح يتعلق بالحر و قسم المكروه و المندوب إليه يتعلق بالحر و فيه من روائح العبودية شمة لا حقيقة فهذا قد حصر لك هذا المنزل منازل الشقاء و السعادة و أبانها لك معينة أي عينت لك من أين تعلمها و هو معرفة الشرع الذي أنت عليه فإن كان الإنسان ممن لم تبلغه الدعوة فمكارم الأخلاق في حقه ما قررها العقل من وجود الغرض و الكمال و ملاءمة المزاج كشكر المنعم الذي هو من مكارم الأخلاق عقلا و شرعا و كفر النعمة من سفساف الأخلاق عقلا و شرعا و ما كلف اللّٰه ﴿نَفْساً إِلاّٰ وُسْعَهٰا﴾ [البقرة:286] سواء بلغتها الدعوة أو لم تبلغها فإن للشرع في عملها حكما في نفس الأمر و يعفى عنه فيما أتته من سفساف الأخلاق حيث لم تبلغها الدعوة و العفو عن ذلك من مكارم الأخلاق الإلهية فالحق أولى بصفات الكرم من العبد بل هي له حقيقة و في العبد بعناية التوفيق و مما يتعلق بهذا المنزل من المكارم التعاون على شكر المنعم و التعاون على تلقي البلاء من المبلى بأن لا يستند في ارتفاع البلاء عنه إلا لمن أنزله به و هو اللّٰه تعالى فإن أنزله بالغير فهو من سفساف الأخلاق و إن أنزله بالله كان من مكارم الأخلاق و العبد في الحالتين طالب رفع البلاء عنه و البلاء عبارة عن وجوده و إحساسه بالألم لا غير و في هذا المقام يغلط كثير من أهل الطريق فيحبسون نفوسهم عن الشكوى إلى اللّٰه فيما نزل بهم و الشبهة في ذلك لهم أنهم يقولون لا نعترض عليه فيما يجريه علينا فإنه يؤثر في حال الرضاء عنه فيقال لهم قد حصل مقام الرضاء بمجرد إحساسه و عدم طلب رفعه و ذلك حد الرضاء لا استصحابه فإن النفس كارهة لوجود الألم و لذا عبرنا عن البلاء بالألم لا بسببه و ينبغي للعبد أن يسأل اللّٰه تعالى أن يرفع عنه ما نزل به لما يؤدي به إليه من كراهة فعل اللّٰه به و لا بد من كراهته طبعا لأن الألم يوجب حكمه لنفسه و الفعل في إنزاله إنما هو لله فيتضمن كراهة الألم كراهته طبعا لأن الألم يوجب حكمه وجوده و وجود الألم لم يكن لنفسه و إنما أوجده اللّٰه في هذا العبد فتتعلق الكراهة حالا و ضمنا بالجناب العزيز فلهذا وقع من الأكابر رب ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ [الأنبياء:83] و التعليم بالسؤال في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال بقوله قالوا ﴿وَ لاٰ تُحَمِّلْنٰا مٰا لاٰ طٰاقَةَ لَنٰا بِهِ﴾ [البقرة:286] و يتعلق به من سوء الأدب مقاومة القهر الإلهي و مقاومة العبد السيد في أمر ما من سفساف الأخلاق إذ ليس ذلك من صفات العبودة فيستعين العبد إذا كان ضعيفا بأخيه المؤمن في ذلك و يجب على الآخر معونته بالتعليم و التعزية فإن المؤمن كثير بأخيه و إذا انفرد الإنسان بهمه عظم عليه و إذا وجد من يلقيه إليه ليقاسمه فيه و يستريح عليه و يخف عنه فأعانه الآخر يحسن الإصغاء إليه فيما يلقى إليه من همه و جوابه إياه بما يسره في ذلك و مشاركته بإظهار التألم لما ناله فذلك الصديق الصادق المعين كما قيل
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية