«ورد في الحديث أن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم لم يزل يتحنث في غار حرا حتى فجأه الوحي» و لم يكن ذلك مقصودا له فكذلك أهل الوجد إنما هم في سماع من الحق في كل ناطق في الوجود و ما في الكون إلا ناطق فهم متفرغون للفهم عن اللّٰه في نطق الكون و سواء كان ذلك في نغم أو غير نغم و بصوت أو غير صوت فيفجؤهم أمر إلهي و هم بهذه المثابة فيفنيهم عن شهودهم أنفسهم و عن شهودهم أنهم أهل وجد و عن شهود كل محسوس فإذا حصل لهم ذلك فذلك هو الوجد عند القوم و لا بد لصاحبه من فائدة يأتي بها فإن جاء بغير فائدة و لا مزيد علم فذلك نوم القلب من حيث لا يشعر فإن الذي يأتيه في تلك الفجاة إنما يأتيه من اللّٰه ليفيده علما بما ليس عنده مما تشرف به نفسه و تكمل و تربى على غيرها من النفوس فإنه لا يرد الأعلى نفس طاهرة زكية هذا حكمه في هذا الطريق و أما الوجد العام فهو ما ذكرناه في حده في أول الباب فلا يشترط فيه طهارة و لا غيرها إلا في هذا الطريق و لما كان يظهر في العموم مع عدم الطهارة لهذا لا يكون الوجد شاهد صدق إلا على نفسه إنه وجد خاصة لا أنه وجد في اللّٰه و لهذا يلتبس على الأجانب فلا يفرقون بين أهل اللّٰه فيه و بين المتصورين بصورة أهل اللّٰه و إن كانوا ليسوا منهم فالحال الحال و لهذا أهل اللّٰه في السماع المقيد بالنغم من شرطهم أن يكونوا على قلب واحد و أن لا يكون فيهم من ليس من جنسهم فلا يحضرون إلا مع الأمثال أو مع المؤمنين بأحوالهم المعتقدين فيهم و مستنده الإلهي كون الحق نعت نفسه بأن قاتل نفسه بادره بنفسه و إن كان ما بادره إلا به و لكن هكذا ورد في النعوت الإلهية فنقره و لا بد فإنه أراد اللّٰه بذلك المحل أمرا ما فيما كلفه به فجاء ذلك الأمر الإلهي الشرعي لمجيء زمانه و وقته فصادف المحل على غير ما تعطيه حقيقة ذلك الوارد بالوارد الذي فجأه الحاكم على المحل مع علمنا أنه ما نفذ فيه إلا علم اللّٰه فيه و لكن تعمير المراتب أدى إلى اختلاف المذاهب فصار الحق هنا صاحب وجد و موجدة على من قتل نفسه مبادرا كما جاء عنه في غضبه على من غضب عليه ففني المقام الإلهي هنا عن شهود نفسه بأنه غني عن العالمين إذ المقامات تتجاور و لا تتداخل فكل مقام له حكم و قد بين اللّٰه لعباده في أخباره الصادقة في كتبه و على ألسنة رسله ما هو عليه بما ينسب إليه فمن الآداب أن تنسب إليه ما نسبه إلى نفسه و إن ردته الأدلة العقلية فإن بالدليل العقلي أيضا قد علمنا إن بعض الكون لا يعرفه على حد ما يعرف نفسه فهو المجهول المعروف ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ﴾ [البقرة:163]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية