فإنه في الأرض و هو في السماء و هو في الصخرة و معنا أينما كنا فإن الخالق لا يفارق المخلوق و المذل لا يفارق الإذلال إذ لو فارقه لفارقه هذا الوصف و زال ذلك الاسم و قال تعالى ﴿وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] أي يتذللوا إلي و لا يتذللون إلي إلا حتى يعرفوا مكانتي و عزتي فخلقهم باسم المذل لأنه خلقهم لعبادته و وصف نفسه بأنه القيوم القائم ﴿عَلىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33] و قال ﴿وَ لاٰ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمٰا﴾ [البقرة:255] فوصف نفسه بأنه يحفظ ما في السموات و ما في الأرض فبالدرجة يكون حافظا لما يطلبه العالم من حفظ الوجود عليه و بالدرجة يكون العالم محفوظا له فإذا علمت أن السيد يسخر عبده بالدرجة و العبد يسخر سيده بالحال و ما يفعل ذلك السيد للعبد بطريق الجبر من العبد و الإذلال و إنما يفعله لثبوت سيادته عليه فما سخره للعبد إلا حظ نفسه أ لا ترى أنه يزول عن السيد اسم السيد إذا باع عبده أو هلك فانظر في حكم هذا الاسم ما أعجبه و إنما اختص بالحيوان لظهور حكم القصد فيه و لأنه مستعد للاباية لما هو عليه من الإرادة فلما توجه عليه الاسم المذل صار حكمه تحت حكم من لا إرادة له و لا قدرة لما تعطي هاتان الصفتان من العزة لمن قامتا به فأصحب اللّٰه من شاء صفة الافتقار و الفاقة و الحاجة فذل لكل ذلول يرى أن له عنده حاجة يفتقر إليه فيها و ينحط عن رتبة عزه بسببها فربط اللّٰه الوجود على هذا و كان به صلاح العالم فليس في الأسماء من أعطى الصلاح العام في العالم و لا من له حكم في الحضرة الإلهية مثل هذا الاسم المذل فهو ساري الحكم دائما في الدنيا و الآخرة فمن أقامه الحق من العارفين في مشاهدته و تجلى له فيه و منه فلا يكون في عباد اللّٰه أسعد منه بالله و لا أعلم منه بأسرار اللّٰه على الكشف و هذا القدر من الإيماء في هذا الفصل كاف في علم التسخير الإلهي و الكوني فإنه ألحق السيد بالعبيد و ألحق العبيد بالسيد ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الفصل الخامس و الثلاثون»في الاسم الإلهي القوي
و توجهه على إيجاد الملائكة و له من الحروف حرف الفاء و من المنازل المقدرة سعد الأخبية قال اللّٰه تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية