[أن العالم واحد بالجوهر كثير بالصورة]
و اعلم أن العالم واحد بالجوهر كثير بالصورة و إذا كان واحدا بالجوهر فإنه لا يستحيل و كذلك الصورة أيضا لا تستحيل لما يؤدي إليه من قلب الحقائق فالحرارة لا تكون برودة و اليبوسة لا تكون رطوبة و البياض لا يستحيل سوادا و التثليث لا يصير تربيعا لكن الحار قد يوجد بارد إلا في زمان كونه حارا و كذلك البارد قد يوجد حار إلا في زمان كونه باردا و كذلك الأبيض قد يكون أسود بمثل ما ذكرنا و المثلث قد يكون مربعا فبطلت الاستحالة فالأرض و الماء و الهواء و الأفلاك و المولدات صور في الجوهر فصور تخلع عليه فيسمى بها من حيث هيأة و هو الكون و صور تخلع عنه فيزول عنه بزوالها ذلك الاسم و هو الفساد فما في الكون استحالة يكون المفهوم منها أن عين الشيء استحال عينا آخر إنما هو كما ذكرنا و العالم في كل زمان فرد يتكون و يفسد و لا بقاء لعين جوهر العالم لو لا قبول التكوين فيه فالعالم يفتقر على الدوام أما افتقار الصور فلبروزها من العدم إلى الوجود و أما افتقار الجوهر فلحفظ الوجود عليه إذ من شرط وجوده وجود تكوين ما هو موضوع له لا بد من ذلك و كذلك حكم الممكن القائم بنفسه الذي لا يتحيز هو موضوع لما يحمله من الصفات الروحانية و الإدراكات التي لا بقاء لعينه إلا بها و هي تتجدد عليه تجدد الأعراض في الأجسام و صورة الجسم عرض في الجوهر و أما الحدود إنما محلها الصور فهي المحدودة و لا بد أن يوجد في حدها الجوهر الذي تظهر فيه و بهذا القدر يسمون الصور جوهرا لكونهم يأخذون الجوهر في حد الصورة و بالجملة فالنظر في هذه الأمور من غير طريق الكشف الإلهي لا يوصل إلى حقيقة الأمر على ما هي عليه لا جرم أنهم ﴿لاٰ يَزٰالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ [هود:118] و لهذا عدلت الطائفة السعيدة المؤيدة بروح القدس إلى التجرد عن أفكارها و التخلص عن قيد قواها و اتصلت بالنور الأعظم فعاينت الأمر على ما هو عليه في نفسه إذ كان الحق عزَّ وجلَّ بصرها فلم تشاهد إلا حقا كما قال الصديق ما رأيت شيئا أ لا رأيت اللّٰه قبله فيرى الحق ثم يرى أثره في الكون و هو الوقوف على كيفية الصدور فكأنه عاين الممكنات في حال ثبوتها عند ما رش على ما رش منها من نوره الأعظم فاتصفت بالوجود بعد ما كانت تنعت بالعدم فمن هذا مقامه فقد ارتفع عنه غطاء العمي و الحيرة
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية