فإن الشياطين و هم كفار الجن لهم عروج إلى السماء الدنيا يسترقون السمع أي ما تقوله الملائكة في السماء و تتحدث به مما أوحى اللّٰه به فيها فإذا سلك الشيطان أرسل اللّٰه عليه ﴿شِهٰاباً رَصَداً﴾ [الجن:9] ثاقبا و لهذا يعطي ذلك الضوء العظيم الذي تراه و يبقى ذلك الضوء في أثره طريقا و رأيت مرة طريقه قد بقي ضوؤه ساعة و أزيد من ساعة و أنا بالطواف رأيته أنا و جماعة الطائفين بالكعبة و تعجب الناس من ذلك و ما رأينا قط ليلة أكثر منها ذوات أذناب الليل كله إلى أن أصبح حتى كانت تلك الكواكب لكثرتها و تداخل بعضها على بعض كما يتداخل شرر النار تحول بين أبصارنا و بين رؤية الكواكب فقلنا ما هذا إلا لأمر عظيم فبعد قليل وصل إلينا أن اليمن ظهر فيه حادث في ذلك الوقت الذي رأينا هذا و جاءتهم الريح بتراب شبيه التوتياء كثير إلى أن عم أرضهم و علا على الأرض إلى حد الركب و خاف الناس و أظلم عليهم الجو بحيث إن كانوا يمشون في الطرق في النهار بالسرج و حال تراكم الغمام بينهم و بين نور الشمس و كانوا يسمعون في البحر بزبيد دويا عظيما و ذلك في سنة ستمائة أو تسع و تسعين و خمسمائة الشك مني فإني ما قيدته حين رأيت ذلك و ما قيدته في هذا المكان إلا في سنة سبع و عشرين و ستمائة و لذلك أصابني الشك لبعد الوقت لكنه معروف عند الخاص و العام من أهل الحجاز و اليمن و رأينا في تلك السنة عجائب كثيرة و في تلك السنة حل الوباء بالطائف حتى ما بقي فيها ساكن حل بهم من أول رجب إلى أول رمضان سنة تسع و تسعين و خمسمائة عن تحقيق و كان الطاعون الذي نزل بهم إذا كانت علامته في أبدانهم ما يتجاوزون خمسة أيام حتى يهلك فمن جاز خمسة أيام لم يهلك و امتلأت مكة بأهل الطائف و بقيت ديارهم مفتحة أبوابها و أقمشتهم و دوابهم في مراعيها فكان الغريب في تلك المدة إذا مر بأرضهم فتناول شيئا من طعامهم أو قماشهم أو دوابهم إذ لم يكن هناك حافظ يحفظه أصابه الطاعون من ساعته و إذا مر و لم يتناول شيئا سلم فحمى اللّٰه أموالهم في تلك المدة لمن بقي منهم و لمن ورثهم و تابوا و ورثوا البنات في تلك السنة و سكنت الفتن التي كانت بينهم فلما نجاهم اللّٰه من ذلك و رفعه عنهم و استمر لهم الأمان عادوا إلى ما كانوا عليه من الإدبار و هذه الكواكب ذوات الأذناب ما تحدث في الأثير و إنما يحدث منه في الهواء تشعله فهو على الحقيقة هواء محترق لا مشتعل هذا هو الأثير فهو كالصواعق فإنها أهوية محترقة لا شعلة فيها فما تمر بشيء إلا أثرت فيه و لا يحدث في هذا الركن شيء سوى ما ذكرناه إلا أنه في نفس الأمر ملك كريم له تسبيح خاص و سلطان قوي و السماء الدنيا في غاية من البرودة لو لا أن اللّٰه حال بيننا و بين برد هذه السماء بهذه النار التي بين الهواء و بين السماء ما كان حيوان و لا نبات و لا معدن في الأرض لشدة البرد فسخن اللّٰه عالم الأرض و الماء و الهواء بما ترميه الكواكب من الشعاعات إلى الأرض بوساطة هذا الأثير فسخن العالم فتسري فيه الحياة و ذلك بتقدير العزيز العليم لا إله إلا هو رب كل شيء و مليكه
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية