قال اللّٰه تعالى ﴿بَدِيعُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة:117] لكونهما ما خلقا على مثال متقدم و أول ما خلق اللّٰه العقل و هو القلم فهو أول مفعول إبداعي ظهر عن اللّٰه تعالى و كل خلق على غير مثال فهو مبدع بفتح الدال و خالقه مبدعه بكسر الدال فلو كان العلم تصور المعلوم كما يراه بعضهم في حد العلم لم يكن ذلك المخلوق مبدعا بفتح الدال لأنه على مثال في نفس من أبدعه أوجده عليه مطابقا له و ذلك الذي في نفس الحق منه على قول صاحب هذا الحد للعلم لم يزل واجب الوجود في نفس الحق فلم يبتدعه في نفسه كما يفعله المحدث إذا ابتدع و لا وجد في العين إلا على الصورة التي قامت في نفس المصور لمثلها لا لها إذ ليس محلا لما يخلقه فما هو بديع و هو بديع فليس في نفسه صورة ما أبدع و لا تصورها و هذه مسألة مشكلة فإن من المعلومات ما يقبل التصور و منها ما لا يقبل التصور و هو معلوم فما حد العلم تصور المعلوم و كذلك الذي يعلم قد يكون ممن يتصور لكونه ذا قوة متخيلة و قد يكون ممن يعلم و لا يتصور لكونه لا يجوز عليه التمثل فهو تصور من خارج و لا يقبل الصورة في نفسه لما صوره من خارج لكن يعلمه
[أن الإبداع في الصور خاصة]
و اعلم أولا أن الإبداع لا يكون إلا في الصور خاصة لأنها التي تقبل الخلق فتقبل الابتداع و أما المعاني فليس شيء منها مبتدعا لأنها لا تقبل الخلق فلا تقبل الابتداع فهي تعقل ثابتة الأعيان هذه هي حضرة المعاني المحققة و ثم صور تقبل الخلق و الابتداع تدل عليها كلمات هي أسماء لها فيقال تحت هذا الكلام أو لهذه الكلمة معنى تدل عليه و يكون ذلك المعنى الذي تتضمنه تلك الكلمة صورة لها وجود عيني ذو شكل و مقدار كلفظ زيد فهذه كلمة تدل على معنى يفهم منها و هو الذي وضعت له و هو شخص من الأناسي ذو قامة منتصبة و طول و عرض و جهات فمثل هذا يسمى معنى لهذه الكلمة فهذا المعنى يقبل الخلق و لسنا نريد بالمعاني إلا ما لا يقبل الخلق و كل ما لا يقبل الخلق فإنه لا يقبل المثل فلا يقبل المثل إلا الصورة خاصة المادية و غير المادية و أعني بالمادية المركبة و هي الأجسام على تنوع ضروبها و أعني بغير المادية كالبسائط التي لا جزء لها سوى عينها و لكنها تقبل المجاورة فتقبل التركيب فينشأ لذلك صور مختلفة إلى ما لا يتناهى فالأول منها و إن كان صورة فهو المبدع و الثاني ليس بمبدع فإنه على مثاله و لكنه مخلوق فهو بالخلق الأول بديع و بالخلق الثاني المماثل للخلق الأول خالق فأول ما خلق اللّٰه العقل أظهره في نفس الرحمن في العماء في أول درجته التي هي في نفس الإنسان المخلوق على صورة الهمزة فهي أول مبدع من حروف تنفس الإنسان و لها وجوه و أحكام مثل ما للعقل في النفس فمن ذلك الإمداد الإلهي الذي في قوله
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية