و لما ذكر المحبة علمنا من حقيقة الحب و لوازمه مما يجده المحب في نفسه و قد بينا أن الحب لا يتعلق إلا بمعدوم يصح وجوده و هو غير موجود في الحال و العالم محدث و اللّٰه كان و لا شيء معه و علم العالم من علمه بنفسه فما أظهر في الكون إلا ما هو عليه في نفسه و كأنه كان باطنا فصار بالعالم ظاهرا و أظهر العالم نفس الرحمن لإزالة حكم الحب و تنفس ما يجد المحب فعرف نفسه شهودا بالظاهر و ذكر نفسه بما أظهره ذكر معرفة و علم و هو ذكر العماء المنسوب إلى الرب قبل خلق الخلق و هو ذكر العام المجمل و إن كلمات العالم بجملتها مجملة في هذا النفس الرحماني و تفاصيله غير متناهية و من هنا يتكلم من يرى قسمة الجسم عقلا إلى ما لا يتناهى مع كونه قد دخل في الوجود و كل ما دخل في الوجود فهو متناه و القسمة لم تدخل في الوجود فلا تتصف بالتناهي و هؤلاء هم الذين أنكروا الجوهر الفرد الذي هو الجزء الذي لا ينقسم و كذلك العماء و إن كان موجودا فتفاصيل صور العالم فيه على الترتيب دنيا و آخرة غير متناه التفصيل و ذلك أن النفس الرحماني من الاسم الباطن يكون الإمداد له دائما و الذكر له في الإجمال دائما فهو في العالم كآدم في البشر و لما ﴿عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمٰاءَ كُلَّهٰا﴾ [البقرة:31] أعلمنا بهذا أن العماء من حيث ما هو نفس رحماني قابل لصور حروف العالم و كلماته هو حامل الأسماء كلها و كلمات اللّٰه ما تنفد فذكر اللّٰه لا ينقطع و الرحمن يذكر اللّٰه بأسمائه و هو أيضا مسمى بها ﴿فَلَهُ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ﴾ [الإسراء:110]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية