﴿وَ جَعَلْنٰا نَوْمَكُمْ سُبٰاتاً﴾ [النبإ:9] يقول و جعلنا النوم لكم راحة تستريح به النفوس و هو على قسمين قسم انتقال و فيه بعض راحة أو نيل غرض أو زيادة تعب و القسم الآخر قسم راحة خاصة و هو النوم الخالص الصحيح الذي ذكر اللّٰه أنه جعله راحة لما تعبت فيه هذه الآلات و الجوارح و الأعضاء البدنية في حال اليقظة و جعل زمانه الليل و إن وقع بالنهار كما جعل النهار للمعاش و إن وقع بالليل و لكن الحكم للغالب فأما قسم الانتقال فهو النوم الذي يكون معه الرؤيا فتنقل هذه الآلات من ظاهر الحس إلى باطنه ليرى ما تقرر في خزانة الخيال الذي رفعت إليه الحواس ما أخذته من المحسوسات و ما صورته القوة المصورة التي هي من بعض خدم هذه الخزانة لترى هذه النفس الناطقة التي ملكها اللّٰه هذه المدينة ما استقر في خزانتها كما جرت العادة في الملوك إذا دخلوا خزائنهم في أوقات خلواتهم ليطلعوا على ما فيها و على قدر ما كمل لهذه النشأة من الآلات التي هي الجوارح و الخدام الذين هم القوي الحسية يكون الاختزان فثم خزانة كاملة لكمال الحياة و ثم خزانة ناقصة كالأكمه فإنه لا ينتقل إلى خزانة خياله صور الألوان و الخرس لا ينتقل إلى خزانة الخيال صور الأصوات و لا الحروف اللفظية هذا كله إذا عدمها في أصل نشأته و أما إذا طرأت عليه هذه الآفات فلا فإنه إذا انتقل بالنوم إلى باطن النشأة و دخل الخزانة وجد صور الألوان التي اختزنها فيها قبل طرق الآفة و كذلك كل ما أعطته قوة من قوى الحس الذين هم جباة هذه المملكة و لله تجل في هذه الخزانة في صورة طبيعية بصفات طبيعية مثل «قوله ﷺ رأيت ربي في صورة شاب» و هو ما يراه النائم في نومه من المعاني في صور المحسوسات لأن الخيال هذه حقيقته أن يجسد ما ليس من شأنه أن يكون جسدا و ذلك لأن حضرته تعطي ذلك و ما ثم في طبقات العالم من يعطي الأمر على ما هو عليه سوى هذه الحضرة الخيالية فإنها تجمع بين النقيضين و فيها تظهر الحقائق على ما هي عليه لأن الحق في الأمور أن تقول في كل أمر تراه أو تدركه بأي قوة كان الإدراك إن ذلك الذي أدركته هو لا هو كما قال
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية