﴿سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:181] و قال ﴿سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ [الحج:61] فقدمه على العلم و البصر أول شيء علمناه من الحق و تعلق به منا القول منه و السماع منا فكان عنه الوجود و كذلك نقول في هذا الطريق كل سماع لا يكون عنه وجد و عن ذلك الوجد وجود فليس بسماع فهذه رتبة السماع التي يرجع إليها أهل اللّٰه و يسمعون فقوله تعالى للشيء قبل كونه كن هو الذي يراه أهل السماع في قول القائل و تهيؤ السامع المقول له كن للتكوين بمنزلة الوجد في السماع ثم وجوده في عينه عن قوله كن كما قال تعالى ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ [البقرة:117] بمنزلة الوجود الذي يجده أهل السماع في قلوبهم من العلم بالله الذي أعطاهم السماع في حال الوجد فمن لم يسمع سماع وجود فما سمع و لهذا جعل القوم الوجود بعد الوجد و لما لم يصح الوجود أعني وجود العالم إلا بالقول من اللّٰه و السماع من العالم لم يظهر وجود طرق السعادة و علم الفرق بينها و بين طرق الشقاء إلا بالقول الإلهي و السماع الكوني فجاءت الرسل بالقول جميعهم من قرآن و توراة و إنجيل و زبور و صحف فما ثم إلا قول و سماع غير هذين لم يكن فلو لا القول ما علم مراد المريد ما يريده منا و لو لا السمع ما وصلنا إلى تحصيل ما قبل لنا فبالقول نتصرف و عن القول نتصرف مع السماع فهما مرتبطان لا يصح استقلال واحد منهما دون الآخر و هما نسبتان فبالقول و السماع نعلم ما في نفس الحق إذ لا علم لنا إلا بإعلامه و إعلامه بقوله و لا يشترط في القول الآلة و لا في السماع بل قد يكون بآلة و بغير آلة و أعني بآلة القول اللسان و آلة السماع الأذن فإذا علمت مرتبة السماع في الوجود و تميزه عن غيره من النسب فاعلم أن السماع عند أهل اللّٰه مطلق و مقيد فالمطلق هو الذي عليه أهل اللّٰه و لكن يحتاجون فيه إلى علم عظيم بالموازين حتى يفرقوا بين قول الامتثال و بين قول الابتلاء و ليس يدرك ذلك كل أحد و من أرسله من غير ميزان ضل و أضل و المقيد هو السماع المقيد بالنغمات المستحسنات التي يتحرك لها الطبع بحسب قبوله و هو الذي يريدونه غالبا بالسماع لا السماع المطلق فالسماع على هذا الحد ينقسم على ثلاثة أقسام سماع إلهي و سماع روحاني و سماع طبيعي فالسماع الإلهي بالأسرار و هو السماع من كل شيء و في كل شيء و بكل شيء و الوجود عندهم كله كلمات اللّٰه و كلماته لا تنفد و لهم في مقابلة هذه الكلمات إسماع لا تنفد تحدث لهم هذه الأسماع في سرائرهم بحدوث الكلمات و هو قوله ﴿مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ﴾ [الأنبياء:2]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية