قد وصف نفسه بالرضى و الغضب في هاتين الصفتين و في أمثالهما مما وصف الحق بها نفسه و من تلك الحقيقة ظهرت في العالم و لهذا قلنا إن اللّٰه سبحانه علمه بنفسه علمه بالعالم لا يكون إلا هكذا فكل حقيقة ظهرت في العالم و صفة فلها أصل إلهي ترجع إليه لو لا ذلك الأصل الإلهي يحفظ عليها وجودها ما وجدت و لا بقيت و لا يعلم ذلك إلا الآحاد من أهل اللّٰه فإنه علم خصوص قال تعالى ﴿وَ غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِ﴾ [النساء:93] ثم ورد في الخبر ما هو أشد من هذا لمن عقل عن اللّٰه و هو ما «ورد في الحديث الصحيح من قول الأنبياء في القيامة أن اللّٰه قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله و لن يغضب بعده مثله» فهذا أشد من ذلك حيث اتصف غضبه بالحدوث و الزوال و في ذلك المقام «يقول محمد ﷺ فيمن بدل من أصحابه بعده سحقا سحقا» لاقتضاء الحال و الموطن فإن صاحب السياسة يجري في أحكامه بحسب الأحوال و المواطن و من نعوت المحبين الكمد و هو أشد حزن القلب لا يجري معه دمع إلا أن صاحبه يكون كثير التأوه و التنهد و هو حزن يجده في نفسه لا على فائت و لا تقصير و هذا هو الحزن المجهول الذي هو من نعوت المحبين ليس له سبب إلا الحب خاصة و ليس له دواء إلا وصال المحبوب فيفنيه شغله به عن الإحساس بالكمد و إن لم تقع الوصلة بالمحبوب اتصال ذوات فيكون المحبوب ممن يأمره فيشغله القيام بأوامره و فرحه بذلك عن الكمد فأكثر ما يكون الكمد إذا لم يقع بينه و بين المحبوب ما يشغله عن نفسه و ليس للمحب صفة تزول مع الاشتغال غير الكمد و نعوت المحبة كثيرة جدا مثل الأسف الوله البهت الدهش الحيرة الغيرة و الخرس السقام القلق الخمود البكاء التبريح و الوجد و السهاد و ما ذكره المحبون في أشعارهم من ذلك و كلامنا في هذا الباب ما يختص بحب اللّٰه لعباده و حب العباد لله لا غير ذلك فالله سبحانه قد ذكرا قواما بأنه يحبهم لصفة قامت بهم أحبهم لأجلها كما سلب محبته عن قوم لصفات قامت بهم ذكر ذلك في كتابه و عن لسان رسول اللّٰه ﷺ انتهى الجزء الثالث عشر و مائة بانتهاء السفر الخامس عشر (بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية