و ما ثم عين تسب لعينها و إنما تسب لما يصدر منها و ما يصدر كون إلا من اللّٰه و الدهر الزماني نسبة و قوله ﴿لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً﴾ [الانسان:1] يعني الإنسان في ذلك الحين أي موجودا في عينه مع وجود الأعيان و لكن ما تعرفه حتى تذكره و لا هي ذات فكر حتى تجمعه في ذهنها تقديرا فتذكره فإن الفكر من القوي التي اختص بها الإنسان لا توجد في غيره
[تأخير نشأة الإنسان و وجود عينه]
ثم إن هذه الآية من أصعب ما نزل في القرآن في حق نقصان الإنسان و فيما يظهر من عدم الاعتناء الإلهي به و عندنا ما أخر اللّٰه نشأته و وجود عينه إلا اعتناء اللّٰه به لأنه لو أوجده اللّٰه أول الأشياء كان يمر عليه وقت لا يكون فيه خليفة فإنه ما ثم من قد هياه لمرتبة الخلافة و النيابة عنه فلا بد أن يتأخر وجود عينه عن وجود الأعيان حتى لا يزول عنه اسم الخلافة دنيا و لا آخرة فما وجد إلا ملكيا سيدا كما أنه مع غيره لله عبد مملوك ففضل العالم كله بالخلافة فلم تكن لغير الإنسان و هذه المرتبة أوجبت له أن يخلق على الصورة
[العالون عن العالم العنصري أعلى نشأة و الإنسان أجمع نشأة]
و من قال إن هذه الآية تدل على عدم الاعتناء الإلهي بالإنسان لأن اللّٰه متكلم أزلا عالم بما يكون أزلا و نفى أن يكون الإنسان شيئا مذكورا مع أنه شيء و لا بد لقوله ﴿إِنَّمٰا قَوْلُنٰا لِشَيْءٍ إِذٰا أَرَدْنٰاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل:40] فما يؤمر إلا من يسمع بسمع ثبوتي أو وجودي و نفى أن يكون الإنسان مذكورا في حين من الدهر و الدهر هنا الزمان و الحين جزء منه لم يكن فيه الإنسان مذكورا مع وجوده صورة إنسان و جهل من شاهد صورته مراد اللّٰه فيه و ما علم له اسم رتبة يذكر به و لا ما له عند اللّٰه من العناية به التي ظهر أثرها عليه حين أقامه خليفة في أرضه و ما غربه عن موطنه و هو التراب الذي خلق منه و موطن ذلته لشهود عبوديته فإن الأرض ذلول فما حجبته الخلافة عن عبودته و إن كانت أعلى المراتب فهو فيها بالذات و الملائكة المقربون فيها بالعرض يقول تعالى ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ﴾ [النساء:172] لكونه يحيي الموتى و يخلق و يبرئ ﴿أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّٰهِ﴾ [النساء:172]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية