[سعى من كان عمله بحق]
و أما سعى من كان عمله بحق فيقرب من هذا أنه لما شاهد ذاته عاملة و هو من أهل ﴿إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:5] و من أهل لا حول و لا قوة إلا بالله نقص عن ذلك الأول فكان صاحب كشف في عمله لاخذ الحق بناصيته في جميع ما يتصرف فيه فامتلأت خزائنه الخمسة عندنا و الستة عند أبي حنيفة نورا خالصا و نورا غير خالص و نورا مزيلا لظلمة كانت قبله فكان ممتزج الأحوال فلو لا عناية هذا الحضور و الكشف في حال السعي لما تم له هذا السعد الذي حصل له من إزالة ظلمته فهذان الصنفان من أصحاب الأعمال في النور ف ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ﴾ [الحديد:19]
[من كان سعى عامله خلق]
و أما من كان سعى عامله خلق فترفع له خزائن الواجبات أعني الفرائض في العمل و الترك و المندوبات في العمل و الترك ممتلئة نورا مشوبا بكون دون أنوار من ذكرناهم و ترفع لهم خزائن المباحات فارغة في العمل و الترك إلا من ترك المباح أو عمله لكونه مباحا ففيها نور يليق بهذا النوع فكأنه نور من وراء حجاب مثل ضوء الشمس من خلف السحاب الرقيق فإن نظر إلى تضمن ذلك المباح ترك محظور أو مكروه و لم يخطر له ترك واجب أو مندوب فإن نوره يكون أتم قليلا و أضوأ من النور الأول المعرى عن هذا الخاطر فإن خطر له أن ذلك المباح يتضمن ترك مندوب أو واجب من واجب يوجبه على نفسه كمن نذر صيام يوم لا بعينه و له إن شاء أن يصومه في هذا اليوم و هو صوم واجب و لكن لا في هذا اليوم و لا بد و إن صامه في هذا اليوم المباح له ترك الصوم فيه فقد أدى واجبا فإن نوره في خزانته هذه بين النورين المتقدمين و ترفع له خزائن المحظورات في العمل و الترك و المكروهات في العمل و الترك أما خزائن المحظورات ظلمة محضة و أما خزائن المكروهات فسدفة فإن كان حصره في وقت المحظور الايمان به أنه في محظور و كذلك في المكروه فيكون خزائن المحظور ممتلئة سدفة و خزائن المكروه كالأسفار و الشفق و ما ثم عامل في المؤمنين أو الموحدين إلا هؤلاء خاصة و أما من سوى المؤمن أو الموحد فلا كلام لنا معه في هذا الفصل من حيث قصد السائل
[لكل عامل مدخل إلى خزائن سعى الأعمال بحسب سعيه]
و أما من حيث سعى الأعمال فإن لكل عامل مدخلا في هذا الفصل بحسب سعيه من معطل و مشرك و كافر و جاحد و منافق و مأثم شقي سوى هؤلاء الخمسة و في الكلام على مناهجهم تفصيل يطول و كل يجري في طلقه إلى أجل مسمى و ما منهم إلا من يقول أنا من الأشياء فلا بد لي من الرحمة فإن قائلها ليس من صفته التقييد إذ لو تقيد لخرج عنه ما لا يمكن أن يكون إلا به فمن المحال خروج شيء عنه فمن المحال تقييده فمنا من تفيض عليه الرحمة من خزائن الوجوب و منا من تفيض عليه الرحمة من خزائن المنن التي ذكرناها فالكل طامع و المطموع فيه واسع
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية