«قال صلى اللّٰه عليه و سلم العلماء ورثة الأنبياء» و كان شيخنا أبو مدين يقول في هذا المقام من علامات صدق المريد في إرادته فراره عن الخلق و من علامات صدق فراره عن الخلق وجوده للحق و من علامات صدق وجوده للحق رجوعه إلى الخلق و هذا هو حال الوارث للنبي صلى اللّٰه عليه و سلم فإنه كان يخلو بغار حراء ينقطع إلى اللّٰه فيه و يترك بيته و أهله و يفر إلى ربه حتى فجئه الحق ثم بعثه اللّٰه رسولا مرشدا إلى عباده فهذه حالات ثلاث ورثه فيها من اعتنى اللّٰه به من أمته و مثل هذا يسمى وارثا فالوارث الكامل من ورثه علما و عملا و حالا فأما قوله تعالى في الوارث للمصطفى إنه ﴿ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [الكهف:35] يريد حال أبي الدرداء و أمثاله من الرجال الذين ظلموا أنفسهم لأنفسهم أي من أجل أنفسهم حتى يسعدوها في الآخرة و ذلك «أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم قال إن لنفسك عليك حقا و لعينك عليك حقا» فإذا صام الإنسان دائما و سهر ليله و لم ينم فقد ظلم نفسه في حقها و عينه في حقها و ذلك الظلم لها من أجلها و لهذا قال ظالم لنفسه فإنه أراد بها العزائم و ارتكاب الأشد لما عرف منها و من جنوحها إلى الرخص و البطالة و جاءت السنة بالأمرين لأجل الضعفاء فلم يرد اللّٰه تعالى بقوله ﴿ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ [الكهف:35] الظلم المذموم في الشرع فإن ذلك ليس بمصطفى و أما الصنف الثاني من ورثة الكتاب فهو المقتصد و هو الذي يعطي نفسه حقها من راحة الدنيا ليستعين بذلك على ما يحملها عليه من خدمة ربها في قيامه بين الراحة و أعمال البر و هو حال بين حالين بين العزيمة و الرخصة ففي قيام الليل يسمى المقتصد متهجدا لأنه يقوم و ينام و على مثل هذا تجري أفعاله و أما السابق بالخيرات و هو المبادر إلى الأمر قبل دخول وقته ليكون على أهبة و استعداد و إذا دخل الوقت كان متهيئا لأداء فرض الوقت لا يمنعه من ذلك مانع كالمتوضئ قبل دخول الوقت و الجالس في المسجد قبل دخول وقت الصلاة فإذا دخل الوقت كان على طهارة و في المسجد فيسابق إلى أداء فرضه و هي الصلاة و كذلك إن كان له مال أخرج زكاته و عينها ليلة فراغ الحول و دفعها لربها في أول ساعة من الحول الثاني للعامل الذي يكون عليها و كذلك في جميع أفعال البر كلها يبادر إليها كما «قال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم لبلال بم سبقتني إلى الجنة فقال بلال ما أحدثت قط إلا توضأت و لا توضأت إلا صليت ركعتين فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم بهما» فهذا و أمثاله من السابق بالخيرات و هو كان حال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم بين المشركين في شبابه و حداثة سنه و لم يكن مكلفا بشرع فانقطع إلى ربه و تحنث و سابق إلى الخيرات و مكارم الأخلاق حتى أعطاه اللّٰه الرسالة
(وصل) [أوصاف المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية